الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) أي معينا.
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) (٢)
(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) فيسترك عما يستحقه صاحب الذنب من العتب والمؤاخذة ، (وَما تَأَخَّرَ) يسترك عن عين الذنب حتى لا يجدك فيقوم بك ، فإنه ليس للمغفرة متعلق إلا أن يسترك من الذنب أو يسترك من العقوبة عليه ، فما تقدم لا يعاقب عليه ، وما تأخر لا يصيبه صلىاللهعليهوسلم ، وهذا إخبار من الله بعصمته صلىاللهعليهوسلم ، فأعلمنا بالمغفرة في الذنب المتأخر أنه معصوم بلا شك ، ويؤيد عصمته أن جعله الله أسوة يتأسى به ، فلما بشر صلىاللهعليهوسلم بالمغفرة العامة ـ وقد ثبتت عصمته فليس له ذنب يغفر ـ لم يبق إضافة الذنب إليه إلا أن يكون هو المخاطب والقصد أمته ، كما قيل : إياك أعني فاسمعي يا جارة ، وهو صلىاللهعليهوسلم معصوم من الذنوب ، فهو المخاطب بالمغفرة ، والمقصود من تقدم من زمان آدم إلى زمانه ، وما تأخر من الأمة من زمانه إلى يوم القيامة ، فإن الكل أمته حيث قال : [كنت نبيا وآدم بين الماء والطين] وهو سيد النبيين والمرسلين ، فإنه سيد الناس ، وهم من الناس ، فبشر الله محمدا صلىاللهعليهوسلم بقوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) بعموم رسالته إلى الناس كافة بالنص ، فبشره الله بالمغفرة لما تقدم من ذنوب الناس وما تأخر منهم ، فكان هو المخاطب والمقصود الناس ، فيغفر الله للكل ويسعدهم ، وهو اللائق بعموم رحمته التي وسعت كل شيء ، وبعموم مرتبة محمد صلىاللهعليهوسلم حيث بعث إلى الناس كافة ، ولم يقل : أرسلناك إلى هذه الأمة خاصة ، ولا إلى أهل هذا الزمان إلى يوم القيامة خاصة ، لكن ثمّ مغفرة في الدنيا ، وثمّ مغفرة في القبر ، وثمّ مغفرة في الحشر ، وثمّ مغفرة في النار بخروج منها وبغير خروج ، لكن يستر عن العذاب أن يصل إليه بما يجعل له من نعيم في النار مما يستعذبه ، فهو عذاب بلا ألم (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بأن يعطيها خلقها ، فأخبره بهذه الآية أن نعمته التي أعطاها محمدا صلىاللهعليهوسلم مخلقة ، أي تامة الخلقة (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) وهو صراط ربه الذي هو عليه ، فالشرائع كلها أنوار ، وشرع محمد صلىاللهعليهوسلم بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار