التشريع المقصور عليهم ، ومنهم من يفتح له الباب بالرسالة بما شرع ، وهذان بابان أو فتحان قد منع الله أن يتحقق بهما أحد أو يفتح له فيهما ، إلا أهل الاجتهاد ، فإن الله أبقى عليهم من ذلك بعض شيء بتقرير الشرع ، فحكمه للشارع لا لهم ، فكل ما خرج من وراء الباب عند فتحه ما هو مكتسب ، والنبوة غير مكتسبة ، فنصره الله النصر العزيز ، فلم يصل إليه من قال باكتساب النبوة ، لأن الموصوف بالعزة لا عين للعزة إلا مع وجود الطالب لمن قامت به ، فيحمي مقامه وحضرته أن يصل طالب إليه.
(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (٤)
السكينة هي الأمر الذي تسكن له النفس ، لما وعدت به أو لما حصل في نفسه من طلب أمر ما ، وسميت سكينة لأنها إذا حصلت قطعت عنه وجود الهبوب إلى غير ما سكنت إليه النفس ، ومنه سمي السكين سكينا ، لكون صاحبه يقطع به ما يمكن قطعه به ، وهذا اللفظ مشتق من السكون ، وهو الثبوت ، وهو ضد الحركة فإن الحركة نقلة ، فالسكينة تعطي الثبوت على ما سكنت إليه النفس ولو سكنت إلى الحركة ، والطمأنينة سكينة أنزلها القرآن في قلوب المؤمنين ، فكانت آيات بني إسرائيل ظاهرة ، وآياتنا في قلوبنا ، إذ قال الله تعالى في بني إسرائيل في آية طالوت (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) فكانت السكينة شهادة في غير هذه الأمة ، وبها وبأمثالها كانت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس ، فعلامة هذه الأمة في قلوبهم ، ولم يجعل الله لهذه الأمة المحمدية علامة خارجة عنهم على حصولها ، فليس لهم علامة في قلوبهم سوى حصولها ، فهي دليل على نفسها ، ما تحتاج إلى دليل من خارج كما كان في بني إسرائيل ، فتنزل السكينة على المؤمنين وهم مؤمنون فتنقلهم بنزولها عن رتبة ما كانوا به مؤمنين إلى مقام معاينة ذلك ، وهو تضاعف إيمانهم بالعيان ، ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، ولا يكون السكون في الأشياء إلا عن هيبة وتعظيم ، وقد أشهد الله تعالى بعض أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم السكينة في تلاوته القرآن ، وكانت له فرس فجعلت تخبط ، فرفع رأسه فرأى غمامة فيها سرج ، كلما قرأ نزلت ودنت منه ، وإذا سكت