عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) (٣٧)
حكى الله لنا ما قاله فرعون على المعنى ، فإنه قال ما قال بلسان القبط ، ووقعت الترجمة عنه باللسان العربي والمعنى واحد.
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ) (٣٨)
فإنه نظر بنور الإيمان الذي وهبه الله إياه فأشهده الأمور كما هي عليه في نفسها ، وكشف له عن الحق ورزقه اتباعه ، وكشف له عن الباطل ورزقه الاجتناب عنه.
(يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (٤٠)
اعلم أن صورة عملك مقدار للجزاء الذي عيّنه الحق لك عليه ، سواء كان ذلك العمل محمودا أو مذموما ، فإن أدخل الله العمل المذموم ميزان الجزاء فإنه لا يزيد عليه في المقدار وزن ذرة أصلا ، هذا إذا أقام الوزن عليه بالجزاء ، وكان عذابه في النار جزاء على قدر عمله لا يزيد ولا ينقص ، لا في العمل ولا في مقدار الزمان ، والإصرار من الأعمال المنهي عن عملها ، ولا يزيله إلا التوبة ، فإن مات عليه خيف عليه ولا يقطع ، وإذا أدخل الحق صورة العمل الصالح الميزان ووزنه بصورة الجزاء رجحت عليه صورة الجزاء أضعافا مضاعفة ، وخرجت عن الحد والمقدار ، منة من الله وفضلا ، وهو قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) وقال في الأخرى : (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) وهو قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ولم يجعل للتضعيف في الخير مقدارا يوقف عنده ، بل وصف نفسه بالسعة فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).