إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠)
النسب الصحيح بالدين لا بالطين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وهذه أخوة الصفة ، وهي أحق مراتب الأخوة ، فإن بها يقع التوارث ، فبأخوة الإيمان ترث ، فلا تأسف على أخوة النسب ولا تكترث ، المؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ، وما ترك فهو يتسلّمه. واعلم أن الله قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان ، وبهذا وقع المثل من النبي صلىاللهعليهوسلم في الحديث الثابت ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : [مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر] كذلك المؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنه هو الذي أصيب بها ، فيتألم لتألمه ، ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين ، فما ثبتت أخوة الإيمان بينه وبينهم ، والمؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله ، فالمؤمن لا يبغض المؤمن ، والمؤمن لا يقتل المؤمن لإيمانه ، قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فجعل أباهم الإيمان ، فهم أخوة لأب واحد ، وبنص هذه الآية بيننا وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخوة الإيمان ، وإن كان هو السيد الذي لا يقاوم ولا يكاثر ، ولكن قد انتظم معنا في سلك الإيمان بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) يعني إذا تنافروا (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ـ بحث في الأخوة في طريق الله ـ يحتاج المريد إلى الإخوان لتبيين آفات نفسه ليرفأه الشيخ بعد الجراحة ، أي بعد أن يجرحه الشيخ بالتقريع واللوم ، فلو طعنت نفس المجروح فيهم دون أستاذه ، فلا بأس به ، وإن كان ضعفا فسيعود عنده دواء وكشفا إن شاء الله تعالى ، فلسان حال الأخ في عقد الأخوة ، كل واحد منا بصير في عيوب أخيه لعماه عن عيوب نفسه واستيلاء رمسه ، فشد بهذه القاعدة وسطا ولا تتخذ ذلك شططا ، حتى يؤيدك الله بنصره ، ويكشف لكل واحد منّا عيوبه ببصره ، وإذ ذاك أخوك من صدقك لا من صدّقك ، ومن جرحك لا من مدحك ، وإليه ينظر قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [من أرضى الناس بسخط الله صار مادحه منهم ذاما ، ومن أرضى الله بسخط الناس أرضى الله عنه الناس ويهبه العين الصحيحة] يرى الطالب معاديه بالعرف العام وليا والمسيء إليه محسنا ، إذ هو إنما يعادي عدوه فهو وليه من حيث لا يدري ، وإليه ينظر قول الشاعر :
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم |
|
والمنكرون لكل أمر منكر |