فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (١٢)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) والله ما يوجد إلا عند ظن العبد به ، فليظن به خيرا ، والظن من بعض وزعة الوهم ، وهو الذي يعطي العذاب المعجل والنعيم المعجل ، فظنّ خيرا تلقه ، وبعض الظن إثم ، فو الله لو لا الظن ما عصى الله مخلوق أبدا ، ولابد من العصيان ، وهو حكم الله في الفعل أو الترك ، فلابد من الظن فمن رحمة الله بخلقه أن خلق الظن فيهم وجعله من بعض وزعة الوهم. واعلم أنه لا يصح إنكار المنكرات إلا بما لا يتطرق إليه الاحتمال ، وهذا يغلط فيه كثير من المؤمنين لا أصحاب الدين ، فإن أصحاب الدين المتين أول ما يحتاط على نفسه ، ولا سيما في الإنكار خاصة ، فإن للمغيّر شروطا في التغيير ، فإن الله ندبنا إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن بهم ، فلا ينكر صاحب الدين مع الظن ، وقد سمع أن بعض الظن إثم ، فلعل هذا من ذلك البعض ، وإثمه أن ينطق به ، وإن وافق العلم في نفس الأمر ، فإن الله يؤاخذه بكونه ظن وما علم ، فنطق فيه بأمر محتمل ولم يكن له ذلك ، وسوء الظن بنفس الإنسان أولى من سوء ظنه بالغير ، لأنه من نفسه على بصيرة وليس هو من غيره على بصيرة ، فلا يقال فيه في حق نفسه إنه سيّىء الظن بنفسه ، لأنه عالم بنفسه ، وإنما قلنا فيه : إنه يسيء الظن بنفسه إتباعا لسوء ظنه بغيره ، فهو من تناسب الكلام ، فالعالم الصالح من استبرأ لدينه في كل أحواله في حق نفسه وحق غيره ـ فائدة ـ أغفلها الناس وهي تدعو إلى حسن الظن بالناس ، ليكون محلك طاهرا من السوء ـ وذلك أنك إذا رأيت من يعاشر الأشرار وهو خير عندك ، فلا تسيء الظن به لصحبته الأشرار ، بل حسّن الظن بالأشرار لصبحتهم ذلك الخيّر واجعل المناسبة في الخير لا في الشر ، فإن الله ما سأل أحدا قطّ يوم القيامة عن حسن الظن بالخلق ، ويسأله عن سوء الظن بالخلق (وَلا تَجَسَّسُوا) الجاسوس يستعمل في الشرّ في العرف الاصطلاحي (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أضاف الغيبة إلينا وقال : (لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) فجعلنا نشأة واحدة ذات أبعاض ، فإن الجزء والتفصيل إنما يرد على الكل ، فما خرجنا عنا ولا وقعنا إلا فينا ، فشدد الأمر علينا في ذلك ، والغيبة ذكر الغائب بما لو سمعه ساءه ، وهي حرام على المؤمنين المكلفين فيما بينهم إلا في مواطن مخصوصة ، فإنها واجبة وقربة إلى الله ، وأهل