الورع من المؤمنين يعرّضون بها ولا يصرحون ، فمن ذلك في طريق الجرح الذي يعرفه المحدثون في رواة الأحكام المشروعة ، ومنها عند المشورة في النكاح ، فإنه مؤتمن والنصيحة واجبة ، ومنها الغيبة المرسلة وهو أن يغتاب أهل زمانه من غير تعيين شخص بعينه ، ومنها غيبة الشيوخ المريدين في حال التربية إذا كان فيها صلاح المريد إذا وصل ذلك إليه ، ومع كون الغيبة محمودة في هذا الموطن فعدم التعيين فيها أولى من التعيين ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : [لا غيبة في فاسق] نهيا لا نفيا ، على هذا أخذ أهل الورع هذا الخبر ، وطريق التعريض هيّن المأخذ ، وما عدا أمثال هذه المواطن فهي مذمومة يجب اجتنابها ومن هذا الباب تجريح الشهود إذا عرف المشهود عليه أنهم شهدوا زورا ، فوجب عليه نصرة الحق وأهله وخذلان الباطل وأهله (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) فيفطر الصائم بالغيبة وإن لم يأكل (فَكَرِهْتُمُوهُ) وهذا خطاب عام (وَاتَّقُوا اللهَ) هذا هو الدواء ، ومعناه اتخذوه وقاية بينكم وبين هذه الأمور المذمومة التي الغيبة منها (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣)
الجسوم الإنسانية أربعة أنواع : جسم آدم وجسم حواء وجسم عيسى وأجسام بني آدم ، وكلّ جسم من هذه الأربعة نشؤه يخالف نشء الآخر في السببية ، مع الاجتماع في الصورة الجسمانية والروحانية ، وإنما نبهنا على هذا ، لئلا يتوهم الضعيف العقل أن القدرة الإلهية أو أن الحقائق لا تعطي أن تكون هذه النشأة الإنسانية إلا عن سبب واحد ، يعطي بذاته هذا النشء ، فرد الله هذه الشبهة بأن أظهر هذا النشء الإنساني في آدم بطريق لم يظهر به جسم حواء ، وأظهر جسم حواء بطريق لم يظهر به جسم ولد آدم ، وأظهر جسم أولاد آدم بطريق لم يظهر به جسم عيسى عليهالسلام ، وينطلق على كل واحد من هؤلاء اسم الإنسان بالحد والحقيقة ، ذلك ليعلم أن الله بكل شيء عليم ، وأنه على كل شيء قدير ، فجمع الله هذه الأربعة الأنواع في الخلق في آية من القرآن فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ) يريد آدم (مِنْ ذَكَرٍ) يريد حواء فهي منفعلة عن آدم عليهالسلام (وَأُنْثى) يريد عيسى