عليهالسلام ، وهو منفعل عن مريم في مقابلة حواء من آدم ، وبالمجموع (مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) يريد بني آدم باقي الذرية بطريق النكاح والتوالد ، فهذه الآية جامعة لخلق الناس ، ومن جوامع الكلم وفصل الخطاب ، وتبين أن الغرض الإعلام بأن الأجسام الإنسانية وإن كانت واحدة في الحد والحقيقة ، والصور الحسية والمعنوية ، فإن أسباب تأليفها مختلفة ، لئلا يتخيل بأن ذلك لذات السبب تعالى الله ، بل ذلك راجع إلى فاعل مختار يفعل ما يشاء كيف يشاء ، من غير تحجير ولا قصور عن أمر دون أمر ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا) الشعوب في الأعاجم كالقبائل في العرب ، أي فرقكم شعوبا ، وميز قبيلة عن قبيلة ، وسميت الميتة شعوبا لأنها تفرق بين الميت وأهله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ـ الوجه الأول ـ أي أشدكم وقاية ، لأنه جاء من باب أفعل ، وقد جعل الله بينه وبين خلقه نسبا ، ولم يكن سوى التقوى من الوقاية ، ورد في الخبر أن الله يقول يوم القيامة : [اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي أين المتقون؟] وهم الذين جعلوا نفوسهم وقاية يحمون بها جانب الله تعالى من المذام التي كانت منه إيجادا وحكما [والشر ليس إليك] فجعلوا نفوسهم وقاية لله ـ الوجه الثاني ـ الذين اتخذوا الله وقاية ، ولهذا المقام رجال ولهذا رجال (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) عليم بما أخفى ، خبير بما أبدى ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم : [إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ، فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي إلا بالتقوى] يريد بالأب آدم عليهالسلام.
(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (١٤)
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) لأن الإيمان طهارة الباطن (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) فإن الإسلام الانقياد ، فإذا أظهر الإنسان الانقياد الظاهر كان مسلما ظاهرا (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وهو الطهارة الباطنة ، فالإنسان كما يكون مسلما ظاهرا ، يجب عليه الانقياد بباطنه حتى يكون مسلما باطنا كما كان ظاهرا ، فإن الطهارة الباطنة هي النافعة المنجية