(وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (٤٢)
فإن الفكر أراهم الحق باطلا فحققوه ، فاجتنبوا الحق واتبعوا الباطل ، ولا علم لهم بذلك أن الباطل في جبلة كل أحد اجتنابه ، فكان مؤمن آل فرعون يدعو أهل الشرك إلى التوحيد ، فيقول إذا دعاهم إلى ذلك ودعوه إلى ما هم عليه (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) واعتبار هذه القصة في دعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الشرك إلى التوحيد ، أنهم قد أثبتوا بكونهم مشركين عين ما دعاهم إليه هذا الرسول ، وهو ما أثبت الشريك وهم قالوا : (إنما ندعوهم (لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فأثبتوا له سبحانه وتعالى التعظيم والمنزلة العظمى التي ليست لشركائهم ، وهم علماء بما دعاهم الرسول إليه ، فلما دعاهم دعاهم بحالهم ولسانهم ، من حيث ما أثبتوا عين ما دعاهم إليه ، وزادوا الشريك الذي لا علم لمحمد صلىاللهعليهوسلم به وهو قوله : (ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ).
(لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (٤٤)
قال الله عزوجل لنبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقول لقومه حين ردوا دعوته (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) وهو من فاض ، ولا يفيض حتى يمتلىء بالفيض زيادة على ما يحمله المحل ، وذلك أن المحل لا يحمل إلا ما في وسعه أن يحمله ، وهو القدر والوجه الذي يحمله المخلوق ، وما فاض من ذلك ـ وهو الوجه الذي ليس في وسع المخلوق أن يحمله ـ يحمله الله ، فما من أمر إلا وفيه للخلق نصيب ولله نصيب ، فنصيب الله أظهره التفويض ، فينزل الأمر جملة واحدة وعينا واحدة إلى الخلق ، فيقبل كل خلق منه بقدر وسعه ، وما زاد على ذلك وفاض انقسم الخلق فيه على قسمين : فمنهم من جعل الفائض من ذلك إلى