عين الكثرة ، فقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) يعني أنه بأسمائه أقرب إلينا منا ، فوصف الحق نفسه بالقرب من عباده ، وما خص إنسانا من إنسان ، فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي ، كما قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فهو تعالى أقرب إلينا من أنفسنا ، لأن حبل الوريد منا ، والحبل الوصل ، فهو أوصل ، فإنه ما كان الوصل إلا به ، فبه نسمع ونبصر ونقوم ونقعد ونشاء ونحكم ، وهذه الأحكام ليست لحبل الوريد ، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، فإن غاية حبل الوريد منا الذي جاء له ما للعروق من الحكم في أنها مجرى الحياة وسكك الدم ، فكان الحق أقرب إلى العبد من نفسه ، فإنه أتى بأفعل من ، فثمّ قريب وأقرب ، فهو قريب بنزوله من العرش إلى السماء الدنيا ، كما أخبر صلىاللهعليهوسلم ، وهو أقرب فإنه معنا أينما كنا ، فهو تعالى أقرب من حبل الوريد ، إلى كل شقي وسعيد ، وفي هذه الآية من رحمة الله بخلقه ما لا يقدر قدره إلا العارفون به ، فلنا بهذه الآية جوار ، وللجار حق مشروع ، فينبغي للإنسان أن يحضر هذا الجوار الإلهي عند الموت ، حتى يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع ، وهو قوله لنبيه صلىاللهعليهوسلم أن يقول (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ) أي الحق الذي شرعته لنا ، فعاملنا به حتى لا ننكر شيئا منه مما يقتضيه الكرم.
(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨)
وكّل الله تعالى بالعباد ملائكة يكتبون ما تلفظوا به من كلمات ، وظهر الكفر في العالم والإيمان ، بأن تكلم كل شخص بما في نفسه من إيمان وكفر ، وكذب وصدق ، لتقوم الحجة لله على عباده ظاهرا بما تلفظوا به ، فأنفاس الإنسان عليه معدودة ، وتصرفاته محدودة ، قال تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) سمى الكلام باللفظ ، لأن اللفظ الرمي ، فرمت النفس ما كان عندها مغيبا بالعبارة إلى أسماع السامعين ، والملائكة الكتاب لا يكتبون على العبد من أفعاله السيئة إلا ما تكلم بها ، وهو قوله تعالى : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وهو الكاتب ، فالملك الحافظ الكاتب عند الإنسان كل ما لفظ كتبه الملك ، فلا يكتب إلا ما