(وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢١)
الإنسان بين قضاء الله وقدره ، فلا يقدر يتعداهما ، فهما الحادي والهادي ، وهما السائق والشهيد ، ولهما الخلف والأمام ، والناس اليوم في عمى عن شهود هذين وفي الآخرة يرونهما ، والسائق فيه إشارة للزجر والتهديد والرهبوت.
(لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢)
في كشف الغطاء رفع الضرر واحتداد البصر ، فإذا كشف الغطاء وجاء العطاء ، تسرحت الحواس وارتفع الالتباس ، وتخلص النص وزال البحث والفحص ، فقد جمع التكليف شمل الكون ، فلا تقل هذا حجر ، وهذا شجر ، فلا أبالي ، غاية العين أن يعرفك الحجر والشجر والحيوان ، ولا تعرفهم إلا بعد كشف الغطاء ، ولا تقبل المعاذير ـ الوجه الأول ـ إذا كانت هذه الآية في حق الميت فمعناها : تدرك النّفس ما لم تكن أدركته بالموت ، فهو يقظة بالنسبة لما كانت عليه في حال الحياة الدنيا ، فإنه بالموت تنكشف الأغطية ، ويتبين الحق لكل أحد ، ولكن ذلك الكشف في ذلك الوقت لا يعطي سعادة إلا لمن كان في العامة عالما بالتوحيد ، فإذا كشف الغطاء فرأى ما علم عينا فهو سعيد ، وأما أصحاب الشهود هنا فهو لهم عين ، وعند كشف الغطاء تكون تلك العين لهم حقا ، فينتقل أهل الكشف من العين إلى الحق ، وينتقل العالم من العلم إلى العين ، وما سوى هذين الشخصين فينتقلون من العمى إلى الإبصار ، فيشهدون الأمر بكشف غطاء العمى عنهم ، لا عن علم تقدم ، فلابد من مزيد لكل طائفة عند الموت ورفع الغطاء ، ولهذا قال من قال من الصحابة : لو كشف الغطاء ـ فأثبت الغطاء ـ ثم قال : ما ازددت يقينا ، يعني فيما علم إذا عاينه ، فلا يزيد يقينا في العلم ، لكن يعطيه كشف الغطاء أمرا لم يكن عنده ، فيصح قوله ما ازددت يقينا في علمه إن كان ذا علم ، وفي عينه إن كان ذا عين ، لا أنه لا يزيد بكشف الغطاء أمرا لم يكن له ، إذ لو كان كذلك لكان كشف الغطاء في حق من هذه صفته عبثا معرى