لسانه ، أو يظهر نورها في قلبه بتذكره إياها ، فإن ملائكة الرحمة تتولاه وتطرد عنه تلك الصور الشيطانية التي تحضره ، جعلنا الله عزوجل في ذلك المقام ممن يشهد ما يسره لا ما يسوءه آمين بعزته ـ تحقيق ـ إذا انكشف الغطاء وكان البصر حديدا علمت أنه ما أعطاك إلا ما كان بيدك ، فما زادك من عنده ، ولا أفادك مما لديه إلا تغيير الصور ، ولا يموت أحد من أهل التكليف إلا مؤمنا ، عن علم وعيان محقق لا مرية فيه ولا شك ، من العلم بالله والإيمان به خاصة ، هذا هو الذي يعم ، وما بقي إلا هل ينفعه ذلك الإيمان أم لا؟ أما في رفع العقوبة فلا ، إلا من اختصه الله مثل قوم يونس ، وأما نفع ذلك الإيمان في المآل فإن ربك فعال لما يريد ، فإذا احتد البصر وانكشف الغطاء وجاء العطاء ، استدعى هناك صاحب الهوى عقله وترك نقله ، فوعزة العزيز ما نفعه ، وتركه لمن صرعه ، حاصدا ما زرعه ، واعلم أن الله متجل على الدوام ، لا تقيد تجليه الأوقات ، والحجب إنما ترتفع عن أبصارنا ، لذلك قال تعالى : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) فتجليه دائم وتدليه لازم ، والذي بين ذا وذا أنك اليوم نائم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [الناس نيام فإذا ماتوا انتهبوا] لما في الموت من لقاء الله ، ألا ترى إلى قوله في المحتضر (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ولم يقل عقلك ، فكل ما أنت فيه من الدنيا إنما هو رؤيا.
(وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٢٣)
اعلم أن الإنسان إذا خلقه الله في أمة لم يبعث فيها رسول لم يقترن به ملك ولا شيطان ، ويبقى يتصرف بحكم طبعه ، ناصيته بيد ربه خاصة ، فإذا بعث فيهم رسول أو خلق في أمة فيهم رسول لزمه من حين ولادته قرينان ملك وشيطان ، من حين يولد ، لأجل وجود الشرع ، وأعطي لكل واحد من القرينين لمة يهمزه ويقبضه بها ، ولا تقل إن المولود غير مكلف فلماذا يقرن به هذان القرينان؟ فاعلم أن الله ما جعل له هذين القرينين في حق المولود ، وإنما ذلك من أجل مرتبة والديه أو من كان ، فيهمزه القرين الشيطان فيبكي ، أو يلعب بيده فيفسد شيئا مما يكره فساده أبوه أو غيره ، فتكون تلك الحركة من المولود الغير مكلف سببا مثيرا في الغير ضجرا أو تسخطا كراهة لفعل الله ، فيتعلق به الإثم ، فلهذا يقرن به الشيطان لا لنفسه ، وكذلك الملك ، وهو كل حركة تطرأ من المولود مما تثير في نفس