الغير أمرا موجبا للشر أو الخير ، فإن كان شرا فمن الشيطان ، وإن كان خيرا فمن الملك.
(أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) (٢٩)
ـ الوجه الأول ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) فما يكون منه إلا ما سبق به العلم ، وهذا إخبار من الله تعالى ، أزال الاختيار بإزالة الإمكان من العالم ، وانتفى الإمكان بالنسبة إلى الله ، فما ثمّ إلا أن يكون أو لا يكون ، فليس في الكون واقع إلا أمر واحد ، علمه من علمه وجهله من جهله ، وليس في الأصل إلا أمر واحد عند الله ، وهكذا يكون الله علمه في الأشياء سابق لا يحدث له علم (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) لتصرفي في ملكي ، فلم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور والحيف ـ الوجه الثاني ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) لأنه خلاف المعلوم فوقوعه محال ، فما حكم به العلم سبق به الكتاب ، وذلك لحكم الكتاب على الجميع ، وفي ذلك قال صلىاللهعليهوسلم : [إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، حتى ما يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار] وكذلك قال في أهل الجنة ، ثم قال : [وإنما الأعمال بالخواتيم] وهي على حكم السوابق ، فلا يقضي الله قضاء إلا بما سبق الكتاب به أن يقضي ، فعلمه تعالى في الأشياء عين قوله في تكوينه ، فما يبدل القول لديه ، فما حكم وسبق به العلم لا يتبدل عقلا ولا شرعا ، لذلك قال تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) ولرائحة الجبر في ذلك أعقبه تعالى بقوله : (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) لئلا يتوهم متوهم ذلك ، إذ كان الحكم للعلم فيه ، فما نجري عليهم إلا ما سبق به العلم ، ولا أحكم فيهم إلا بما سبق به ؛ وما كتب تعالى إلا ما علم ، ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ، ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهى ، فلا يوجدها إلا كما