الوفاء من الحق وفاء وجوب واستحقاق ، وزيادة لزيادة ، وزيادة لا لزيادة ، وهي الزيادة المذكورة في القرآن.
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ٣٦ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧)
(إِنَّ فِي ذلِكَ) يشير إلى العلم بالله من حيث المشاهدة (لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) يتقلب فيفهم قول الله ، ويعقل به عن الله ، ولم يقل تعالى غير ذلك ، فإن القلب معلوم بالتقليب في الأحوال دائما ، فهو لا يبقى على حالة واحدة ، وكذلك التجليات الإلهية ، فمن لم يشهد التجليات بقلبه ينكرها ، فإن العقل يقيده ، وغيره من القوى ، إلا القلب فإنه لا يتقيد ، وهو سريع التقلب في كل حال ، ولذا قال الشارع : [إن القلب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء] فهو يتقلب بتقلب التجليات ، والعقل ليس كذلك ، فإن العقل تقييد من العقال ، فالقلب هو القوة التي وراء طور العقل ، فلو أراد الحق في هذه الآية بالقلب أنه العقل ما قال لمن كان له قلب ، فإن كل إنسان له عقل ، وما كل إنسان يعطى هذه القوة التي وراء طور العقل ، المسماة قلبا في هذه الآية ، فلا معنى للحس ههنا ، فإن استفاضة النور من عين البصيرة على ساحة القلب كانعكاس الشعاع من العين على المبصرات ، فينظر إلى عجائب الملكوت ، وتتصل الأنوار وتنفتح عند ذلك العين الثانية في القلب ، وهو عين اليقين ، فإن لله في القلب عينين ، عين بصيرة وهو علم اليقين ، والعين الأخرى عين اليقين ، فعين البصيرة تنظر بالنور الذي يهدي به ، وعين اليقين تنظر بالنور الذي يهدي إليه ، قال تعالى : (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) وهو نور اليقين ، وقال في النور الآخر : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) فإذا اتصل النور الذي يهدي به بالنور الذي يهدي إليه عاين الإنسان ملكوت السموات والأرض ، فلا تكون معرفة الحق من الحق إلا بالقلب لا بالعقل ، ثم يقبلها العقل من القلب ، فإن القلب له التقليب من حال إلى حال ، وبه سمي قلبا ، فمن فسر القلب بالعقل فلا معرفة له بالحقائق ، فالحق تعالى هو المقيد بما قيد به نفسه من صفات الجلال ، وهو المطلق بما سمى به نفسه من أسماء الكمال ، وهو الواحد الحق ،