بالوحي الذي تجلى له فيه ، والإنسان من حيث مجموعيته وما لجمعيته من الحكم جاهل بالله ، حتى ينظر ويفكر ويرجع إلى نفسه ، فيعلم أن له صانعا صنعه وخالقا خلقه ، فالإنسان من حيث تفصيله عالم بالله ، ومن حيث جملته جاهل بالله ، حتى يتعلم ، أي يعلم بما في تفصيله ، وكل علم لا يكون حصوله عن كشف بعد فتح الباب يعطيه الجود الإلهي ويبديه ويوضحه فهو شعور لا علم ، لأنه حصل من خلف الباب والباب مغلق ، وليس الباب سواك ، فأنت بحكم معناك ومغناك ، وذلك هو غلق الباب ، فإنك تشعر أن خلف هذا الجسم والصورة الظاهرة معنى آخر لا تعلمه ، وإن شعرت به ، فالصورة الظاهرة المصراع الواحد ، والنفس المصراع الآخر ، فإذا فتحت الباب تميز المصراع من المصراع ، وبدا لك ما وراء الباب ، فذلك هو العلم ، فما رأيته إلا بالتفصيل ، لأنك فصلت ما بين المصراعين حتى تميز هذا فيك ، فإن كان الباب عبارة عن حق وخلق ، وهو أنت وربك ، فالتبس عليك الأمر ، فلم يتميز عينك من ربك ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : [من عرف نفسه عرف ربه] فالشعور مع غلق الباب ، والعلم مع فتح الباب ، فإذا رأيت العالم متهما لما يزعم أنه به عالم فليس بعالم ، وذلك هو الشعور ، وإن ارتفعت التهمة فيما علم فذلك هو العلم ، ويعلم أنه قد فتح الباب له ، وأن الجود قد أبرز له ما وراء الباب ، وكثير من الناس يتخيل أن الشعور علم ، وليس كذلك ، وإنما حظ الشعور من العلم أن تعلم أن خلف الباب أمرا ما على الجملة لا يعلم ما هو.
(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (٢٢)
الرزق معنوي وحسي ، فالرزق الذي في الأرض ما تقوم به الأجسام ، والذي في السماء ما تقوم به الأرواح ، وكل ذلك رزق ، ليصح الافتقار من كل مخلوق ، وينفرد الحق بالغنى.
(فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) (٢٣)
أقسم الله جل ثناؤه بالربوبية على ضمان الرزق ، والضمير يعود على المذكور ، فأقسم سبحانه بنفسه من اسم الرب المضاف إلى السماء والأرض على نفسه ، أن الرزق قضاء وعد به أولياءه في السماء ، ومثّله بالنطق منا الذي لا يرتاب فيه ، ليتميز المؤمن الكامل من غيره ،