الوترية في حق المخلوق محالا قال تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) اثنين حتى لا تنبغي الأحدية إلا لله ، فينفرد الحق سبحانه بحقيقة الوترية التي لا تقبل الشفعية ، فإن الله تعالى لما جعل العرش محل أحدية الكلمة ، وهو الرحمن لا غيره ، وخلق الكرسي فانقسمت فيه الكلمة إلى أمرين ليخلق من كل شيء زوجين ، ليكون أحد الزوجين متصفا بالعلو والآخر بالسفل ، الواحد بالفعل والآخر بالانفعال ، فظهرت الشفعية من الكرسي بالفعل ، وكانت في الكلمة الواحدة ، ليعلم أن الموجود الأول أنه وإن كان واحد العين من حيث ذاته ، فإن له حكم نسبة إلى ما ظهر من العالم عنه ، فهو ذات وجودية ونسبة ، أي ذات وأسماء ، فهو أصل شفعية العالم.
(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (٥٠)
(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) هو أمر بالسفر إلى الله ، وذم من يتربص عن هذا السفر بقوله : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ...) الآية ، فجعل البركة في الحركة منه وإليه ، واعلم أن الموجب للفرار هو ما فر إليه لا ما فر منه ، إذ لو عرف أنه ما ثمّ ما يفر إليه لسكن الفار وما فر ، فإذا أردت أن تعرف الفرق بين الفرار الموسوي والفرار المحمدي فانظر في ابتداء الغاية ، وهو حرف من ، وفي انتهاء الغاية وهو حرف إلى فالنبي محمد صلىاللهعليهوسلم يقول : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) وقال في تعوذه : [وأعوذ بك منك] فهذا أمره ودعاؤه ، وقال عن موسى عليهالسلام معرفا إيانا : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) ويقال للمحمدي : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) فالحكم على المحمدي لانتهاء الغاية ، وعند الموسوي لابتداء الغاية ، وانظر إلى ما أنتجه الفرار لموسى عليهالسلام من فرعون ، فوهبه الله حكما ، وهي الرسالة ، فجعله من المرسلين إلى من خاف أن يسلط عليه ، وهو فرعون ، فإذا أنتج له هذا الفرار من المخلوق خوفا على نفسه ، فأين أنت من المحمدي الذي أمرك أن تفر إلى الله؟ فقيدك بحرف الغاية في القصد الأول : والحكم يرجع إلى الله الذي تفر إليه بلا واسطة ، فالذي ينتج الفرار إليه لا يقدر قدره ، ويكون على بينة من ربه محفوظا في أحواله وأفعاله وأقواله ، فإذا فر الفار إلى الله وعيّن من فر إليه وأبهم ما فر منه ، فما ترون تكون جائزته؟ فإن جائزة موسى منقطعة ، فإن الخلافة هنا تترك والرسالة كذلك ، ينقطع الأمران بالموت والانقلاب إلى الدار