احتمال فليس بعالم به ، ولا بمؤمن بمن أخبره بذلك إيمانا يوجب له العلم.
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٥٦)
لما كانت طبيعة الممكن قبلت الوجود ، فظهر في عينه بعد أن لم يكن ، سماه الحق خلقا ، مشتقا من الخليقة ، وهي طبيعة الأمر وحقيقته ، أي مطبوعا على الصورة ، وهي خليقته ، فلما أوجده الله على صورته ، وأوجده لعبادته ، كان ما أوجده عليه خلاف ما أوجده له ، فقال : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فاشترك الجن مع الإنس فيما وجد له لا فيما وجد عنه ، لأن الإنسان خص بما وجد عليه ، قال صلىاللهعليهوسلم : [خلق الله آدم على صورته] والخلق عطاء من الحق ليعبد ، فهو عطاء عوض ففيه طلب ، ولذلك قال (لِيَعْبُدُونِ) فخلقهم له لا لهم ، ففي هذه الآية خلقنا له أي لنعبده ، ومعناه لنعلم أنا عبيد له ، فإنا في حال عدمنا لا نعلم ذلك ، لأنه ما ثم وجود يعلم ، فعلل سبحانه بلام العلة ، فيعبدونه لكونه أنعم عليهم بالإيجاد لكمال مرتبة العلم والوجود ، من حيث من ذكر من الأجناس ، لا لكمال مرتبة الوجود والمعرفة من غير هذا التقييد ، فإن ذلك يكفي فيه خلق محدث واحد ، وإيجاد العلم المحدث فيه المتعلق بالله والكون ، ولكن لما كانت الأجناس منحصرة عند الله وأوجدها وبقي هذان الجنسان ، أوقع الإخبار عنهما بما ذكر ، وابتدأ بلام العلة وختم بياء الإضافة ، قال عزوجل فيما أوحى به إلى موسى عليهالسلام : [يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي] وما يلزم نفوذ حكم العلة في كل معلول ، فإن من الجن والإنس من عبده ومنهم من أشرك به ، وقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ) وهو ما استتر ، فلا يعلم إلا منه (وَالْإِنْسَ) هو ما ظهر فيعلم بذاته ، (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) إثبات للسبب الموجب للخلق ، فاللام في ليعبدون لام الحكمة والسبب شرعا ، لأنه حكيم ، وله في كل شيء حكمة ظاهرة لا تعلم إلا من جهة الشرع في التكليف ، وأما العلة في التكليف من جهة الحق فمظنونة غير معلومة ، لا يعلمها إلا هو ومن أعلمه الله بها ، فتكون لام ليعبدون لام العلة عقلا ، فصرح تعالى بالسبب الذي لأجله أوجدنا ، وهكذا العالم كله ، فإن الجن كل مستتر من ملك وغيره ، وخصصنا والجن بالذكر ، فإن الله تعالى لما خلق العالم له تعالى ، أي لعبادته ، قال فيمن علم أنه جعل في نشأته عزة ، وهما الجن والإنس ، ولما جعل فيهما استعدادا يمكن