بما به قوامهم ، فخلق الأشياء التي بها قوامهم ، خاصة من أجلهم ، ليتفرغوا لما قصد بهم ، فقامت عليهم حجة الله إذا لم يقوموا بما خلقوا له ، وكونهم ما فعل بعضهم ما خلق له لا يلزم منه بالقصد أنه خلق لما تصرف فيه ، ولذلك يسأل ويحاسب ، ـ الوجه الثاني ـ ما خلقنا الله لعبادته إلا ليعود ثواب ذلك العمل وفضله إلينا ، ولذلك ما خص بهذا الخطاب إلا الثقلين ، فتدل هذه الآية من هذا الوجه على أن الله سبحانه ما أوجدنا إلا لنا ، لا لنفسه ، فإنه هو الغني عن العالمين ، هذا إذا لم يكن الجن عبارة عن باطن الإنسان ، وهو ـ الوجه الثالث ـ في تفسير قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) فذكر تعالى ما ظهر ، وهو مسمى الإنس ، وما استتر ، وهو مسمى الجن ، فأعلم أنه أوجدك له لا لك ، فما أنت المقصود لعينك ، فكأنه يقول : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ) وهو ما استتر من الإنسان وما بطن منه (وَالْإِنْسَ) وهو ما يبصر منه لظهوره (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ظاهرا وباطنا ، فقد يريد الحق بهذه الآية الإنسان وحده ، من حيث ما له ظاهر وباطن ، فمن حيث ما له ظاهر هو إنس ، من آنست الشيء إذا أبصرته ، والجن باطن الإنسان ، فإنه مستور عنه ، فكأنه قال : ما خلقت ما ظهر من الإنسان وما بطن إلا ليعبدون ظاهرا وباطنا ، فإن المنافق يعبده ظاهرا لا باطنا ، والمؤمن يعبده ظاهرا وباطنا ، والكافر المعطل لا يعبده لا في الظاهر ولا في الباطن ، وبعض العصاة يعبده باطنا لا ظاهرا ، وما ثمّ قسم خامس ، وما أخرجنا الجن الذين خلقهم من نار من هذه الآية ، وجعلناها في الإنسان وحده من جهة ما ظهر منه وما استتر إلا لقول الله لما ذكر السجود أنه ذكر جميع من يسجد له ممن في السموات ومن في الأرض ، وقال في الناس : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) فما عمهم ، ودخل الشياطين في قوله : (مَنْ فِي الْأَرْضِ) ، وذلك أن الشيطان ، وهو البعيد من الرحمة ، يقول للإنسان إذا أمره بالكفر فكفر (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) فأبان الله لنا عن معرفة الشيطان بربه وخوفه منه ، فلذلك كان صرف الجن إلى ما استتر من الإنسان أولى من إطلاقه على الجان ، والله أعلم. وأما قوله تعالى : (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي ليتذللوا لي ، فإن الله تعالى لم يقل (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) ليأنس بعضهم ببعض ، ولا يتعشق بعضهم ببعض ، ولا يتعرف بعضهم أسرار بعض ، وإنما خلق المكلف من أجله ، فلا ينظر إلى غيره فقال : (لِيَعْبُدُونِ) أي ليتذللوا لي ، ولا يتذللون لي حتى يعرفوني في الأشياء ، فيذلوا لي ، لا لمن ظهرت فيهم ، من حيث