فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (٥٧)
ـ الوجه الأول (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) يريد في المعنى ، فإن أكبر هنا للمفاضلة ، وليس إلا أن السموات والأرض هما الأصل في وجود الهيكل الإنساني ونفسه الناطقة ، فالسموات ما علا ، والأرض ما سفل ، فهو منفعل عنهما ، فإن الإنسان والعالم الكبير يشتر كان في العالمية ، فليس للعالم على الإنسان درجة من هذه الجهة ، ولكن الدرجة التي فضل بها السماء والأرض على الإنسان هما أن الإنسان منفعل عن السماء والأرض ومولد بينهما ومنهما ، والمنفعل لا يقوى قوة الفاعل ، فالناس في رتبة الانفعال عن حركة الأفلاك وقبول التكوين الذي في العناصر ، فكان المراد المعنى لا الجرمية ، فإن الجرمية غير معتبرة هنا ، فمن طريق المعنى أن نسبة الأرض والسماء إلى جانب الحق أكبر من خلق الناس من حيث ما فيهم من سماء وأرض ، فإنها في السماء والأرض معنى وصورة ، وهما في الناس معنى لا صورة ، والجامع بين المعنى والصورة أكبر في الدلالة ممّن انفرد بأحدهما ، لذا قال تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ذلك مع الاشتراك في الدلالة والعلامة على وجود المرجح ، ويدل ذلك على أن بعض الناس يعلم ذلك ، فالقليل من الناس من يعلم أن خلق السموات وهي الأسباب العلوية لوجود الإنسان ، والأرض وهي الأسباب السفلية لوجود الإنسان ، أكبر من خلق الناس قدرا ، لأن لها نسبة الفاعلية وللناس نسبة الانفعال ، فإنه ما من أحد إلا وهو يعلم حسا أن خلق السموات والأرض أكبر في الجرم من خلق الناس ، فما ثمّ إلا انفعال الجسم الطبيعي عنهما لا غير. فأراد الحق بهذه الآية المنزلة ، فإن الجرم يعلمه كل أحد ، ولهذا يصدر عن حركات السموات والأرض أعيان المولدات والتكوينات ، والإنسان من حيث جرمه من المولدات ، ولا يصدر من الإنسان هذا ، وطبيعة العناصر من ذلك ، فلهذا كانا أكبر من خلق الإنسان ، إذ هما له كالأبوين ، فلهما درجة الأبوة فلا يلحقهما أبدا ، فرفع الله مقدارهما ، والإنسان من الأمر الذي ينزل بين السماء والأرض ، ولا يمنع ذلك من أن الإنسان الكامل أكمل نشأة ظهرت في الموجودات ، لأن الإنسان الكامل وجد على الصورة لا الإنسان الحيوان ، والصورة لها الكمال ، ولكن لا يلزم من