الانتفاض سبعون ألف قطرة ، يخلق الله من كل قطرة ملكا ، كما يخلق الإنسان من الماء في الرحم ، فيخلق سبعون ألف ملك من تلك السبعين ألف قطرة ، وهم الذين يدخلون البيت المعمور ، وبعدد هؤلاء الملائكة في كل يوم تكون خواطر بني آدم ، فما من شخص مؤمن ولا غيره إلا ويخطر له سبعون ألف خاطر في كل يوم ، لا يشعر بها إلا أهل الله ، وهؤلاء الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور يجتمعون عند خروجهم منه مع الملائكة الذين خلقهم الله من خواطر القلوب ، فإذا اجتمعوا بهم كان ذكرهم الاستغفار إلى يوم القيامة ، فمن كان قلبه معمورا بذكر الله مستصحبا ، كانت الملائكة المخلوقة من خواطره تمتاز عن الملائكة التي خلقت من خواطر قلب ليس له هذا المقام ، وسواء كان الخاطر فيما ينبغي أو فيما لا ينبغي ، فالقلوب كلها من هذا البيت خلقت ، فلا تزال معمورة دائما ، وكل ملك يتكون من الخاطر يكون على صورة ما خطر سواء ، فاجعل قلبك مثل البيت المعمور بحضورك مع الحق في كل حال ، واعلم أنه ما وسع الحق شيء سوى قلب المؤمن.
(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) (٥)
لما كانت السماء كالسقف للبيت لهذا سماه الحق السقف المرفوع ـ إشارة لا تفسير ـ إشارة لما يأتي الإنسان من العلم والتعريف الإلهي من نفسه ، فتدركه القوى الحسية والمعنوية ـ (وَالطُّورِ) الجسم لما فيه من الميل الطبيعي ، لكونه لا يستقل بنفسه في وجوده (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) عن إملاء إلهي ويمين كاتبة بقلم اقتداري (فِي رَقٍّ) وهو عينك (مَنْشُورٍ) ظاهر غير مطوي فما هو مستور (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) وهو القلب الذي وسع الحق ، فهو عامره (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) ما في الرأس من القوى الحسية والمعنوية (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي الطبيعة الموقدة بما فيها من النار الحاكم الموجب للحركة (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ) أي ما تستعذبه النفس الحيوانية والروح الأمري والعقل العلوي من سيدها المربي لها المصلح من شأنها (لَواقِعٌ) ساقط عليها (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) ـ إشارة واعتبار ـ الطور في الاعتبار الجسم ، مسلط عليه الروح ليدبره ، (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) سمي مسطورا أي سلط عليكم لتعملوا به ، لأنه إنما جاء ليعمل به ، ومتى عصي انتقم ممن عصاه ، (فِي رَقٍّ) هو الوجود الذي كتب فيه حروف العالم ، و (مَنْشُورٍ) هو ما ظهر لك منه ، والمطوي ما غاب عنك