لأنه من علم أن الغاية في الحق هي الحيرة فقد اهتدى ، فهو صاحب هدى وبيان في إثبات الحيرة.
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (٣)
(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) بأسرار الاستوا ، لكونه شديد القوى ، ولما كان القرآن لا يقبل نزوله إلا مناسبا له في الاعتدال ، فهو معرى عن الهوى ، لهذا قيل في محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) في حين قيل في غيره من الرسل الخلفاء : (وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) فلم ينزل في المرتبة منزلة من أخبر عنه أنه لا ينطق عن الهوى ، فهو صلىاللهعليهوسلم لسان حق ظاهر في صورة خلق.
(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (٤)
وهذا يدل على أن الحديث مثل القرآن بالنص ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا ينطق عن هواه ، بل ينطق عن الله تعالى ، وإن لم نسم كل كلام إلهي قرآنا ، مع علمنا أنه كلام الله ، فالقرآن كلام الله وما كل كلام الله قرآن ، والكل كلامه ، ولهذا فإن حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو ما نسميه السنة حكم الله ، فهو صلىاللهعليهوسلم ناقل عن الله ومبلغ عنه بما أراه الله ، ومن لا ينطق عن الهوى لا يسأل عما يقول سؤال مناقشة وحساب ، ولكن قد يسأل سؤال استفهام لإظهار علم يستفيده السامعون.
(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى) (٧)
اعلم أن الأنبياء ما اختارت النوم على ظهورها إلا لعلمها أنه كل ما قابل الوجه فهو أفق له ، إذ كان لا يقابل الوجه إلا الأفق ، وثمّ أفق أدنى أي أقرب إلى الأرض ، وثمّ أفق أعلى وهو ما تقابله بوجهك عند استلقائك على ظهرك.
(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) (٨)
ـ الوجه الأول ـ فدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتدلى الحق تعالى ، إذ لا يكون التدلي إلا