الانفصال بالتكوين ، وأظهر الخط حكمه ، عاد الأمر واحدا ، فوصف الحق نفسه بأنه سمع العبد وبصره وجميع قواه ، فالعالم في جنب الحق متوهم الوجود لا موجود ، فالموجود والوجود ليس إلا عين الحق وهو قوله : (أَوْ أَدْنى) فالأدنى رفع هذا التوهم ، وإذا رفع من الوهم لم يبق سوى دائرة ، فلم تتعين القوسان ، فمن كان من ربه في القرب بهذه المثابة ، أعني بمثابة الخط القاسم للدائرة ، ثم رفع نفسه منها ، ما يدري أحد ما يحصل له من العلم بالله ، ولما كان القرآن منزلا على لسان العرب ، ففيه ما في اللسان العربي ، ولما كانت الأعراب لا تعقل ما لا يعقل إلا حتى ينزل لها في التوصيل بما تعقله ، لذلك جاءت الكلمات التي وردت في القرآن والحديث من الألفاظ التي توهم التشبيه والتجسيم وغير ذلك مما لا يليق بالله تعالى في النظر الفكري عند العقل خاصة ، ولما كانت الملوك عند العرب تجلس عبدها المقرب المكرم منها بهذا القدر في المساحة ، فعقلت العرب من هذا الخطاب (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) قرب محمد صلىاللهعليهوسلم من ربه ، ولا تبالي بما فهمت من ذلك سوى القرب ، ـ إشارة ـ إذا نزلت (قابَ قَوْسَيْنِ) ، فلا تطلب أثرا بعد عين ، فمقام قاب قوسين مقام المعاينة ، وهو مقام يعطي حكمه في الدنيا والآخرة ، حيث كان ، وهو قوله صلىاللهعليهوسلم : [ما تجلى الله لشيء ثم احتجب عنه] وفيه أنشدوا.
يا مؤنسي بالليل إذا هجع الورى |
|
ومحدثي من بينهم بنهار (١) |
ولما أدنى الحق رسول الله صلىاللهعليهوسلم تدلى إليه.
(فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) (١٠)
بلا واسطة ، وأما وحيه بالواسطة فقوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) وما عيّن لنا في الذكر الحكيم ما أوحى ، ولا ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما أوحي في ذلك القرب به إليه ، فكان التلقي في هذا الموطن تلقيا ذاتيا لا يعلمه إلا من ذاقه (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ـ إشارة ـ من التحدث بنعم الله تعالى يترجم الشيخ قدس الله سره عما ذاقه من مناجاة في سلوكه في مقام (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) فيقول قال لي : ناجيتك في كل حضرة ،
__________________
(١) راجع كتابنا شرح كلمات الصوفية ص ٣٤٥.