البهت ، فلا تصل عين إلى مشاهدتها فتحدها أو تصفها ، فالنور الذي كساها نور أعمال العباد ، وأنوار الأعمال تبعث من صورها فتغشاها ، فلا يستطيع أحد أن ينعتها ، فإن النعت للأشياء تقييد وتمييز ، والأعمال تختلف ولها مراتب ، وأنوارها على قدر مراتبها ، فعال وأعلى ، ومضيء وأضوأ ، ونعت العالي يناقض الأعلى ، ونعت المضيء يقابل الأضوأ من حيث ما هو أضوأ ، فلا يتقيد بنعت ، لأنك إن قيدتها بنعت أبطله لك نقيضه ، فما وفيتها حقها من النعتية ، إذ لم تكن أنوار الأعمال على درجة واحدة ، وقد غشيتها هذه الأنوار وغطتها ، فلا يقدر أحد أن يصل إلى نعتها ، فالسعداء وإن استظلوا بها ، فقد كسوها من ملابس الأنوار ما فضلت به جميع الأشجار ، وهي طعام وغاسول ، ونبقها كالقلال ، منه ترزق أرواح الشهداء ، فهي الشجرة الطهور ، فيها مرضاة الحق ، لذلك شرع السدر في غسل الميت للقاء الله ، الماء والسدر ليناله طهور هذه السدرة ، وجانب السدرة منصة هي مقعد جبريل عليهالسلام.
(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (١٧)
ـ تحقيق وإفصاح من أول السورة إلى ما أذن به الفتاح بالتلاوة الإلهية ـ من حيث القرآن هو كلام الله ، التي لا يسأل عنها بالكيفية ولا الماهية : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) في قلب تعرى عن الهوى (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) ولكنه شرب فارتوى ، (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) لخروجه عن كرة الهوا (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أنزلناه عليه بلا واسطة كشفا وتلويحا ، فكان به عند نزول الواسطة في عالم الألفاظ عجولا فصيحا (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) بحضرة الاستوا ، (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) بما أيده به من القوى (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) عليه مراتب روحانية العلى ، (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) على المقام الأجلى (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) من المقام الاسمى خلف حجاب العزة الأحمى ، (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) فما أمسى عليه يوم ولا أضحى (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) من حسن الرؤى (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) فهو بحيث لا يرى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) عند الصيحة الكبرى (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) مستقر الحسن والبها (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) المحفوفة بالبلوى ، حضرة ارتفاع الشكوى المنتجة للنجوى (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) فيعدم البصير ويظهر الأعشى (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما