كان هذا السامع عنده من القوة أن يشهد الحق في كل شيء لشهده في الذكر ، فلم يكن الحق يأمر المذكر بالإعراض عنه ولا كان يتولى السامع ، وذلك مبلغه من العلم.
(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (٣٢)
(إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) أي ستره واسع ، أترى هذه السعة الربانية تضيق عن شيء؟ فمنا من تفيض عليه الرحمة من خزائن الوجوب ، ومنا من تفيض عليه الرحمة من خزائن المنن ، فالكل طامع ، والمطموع فيه واسع ، وهو ينزل إلى السماء الدنيا القريبة منا في كل ليلة يقول : هل من مستغفر فأغفر له؟ وما من شيء إلا وهو مستغفر في أكثر أوقاته لمن هو إله ، ولم يقل تعالى : إنه ينزل ليعذب عباده الذين نزل في حقهم (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) بأبيكم (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) ببنيكم (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) أي أمثالكم ، فلا تزكي على الله أحدا ، فقد نهانا الله بهذه الآية عن ذلك ولكن قل : أحسبه كذا ، أو أظنه كذا ، كما أمرك به رسول الله فإنه قال : [لا أزكي على الله أحدا] وذلك لعزة العلم ، فشرعت التزكية في حكم الشرع بغلبة الظن فيقول : أحسبه كذا وأظنه كذا ، لأنه لا يعلم كل أحد ما منزلة ذلك المزكى عند الله أدبا مع الله ، لئلا يقطع على الله بشيء ، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) فيخصه بالرحمة الموجبة بالصفة الموجبة في قوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) ممن لم يتق فيخصه برحمته المطلقة ، وهي رحمة الامتنان ولا تتقيد بحصر ـ إشارة ـ (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) أي واسع الستر ، فما من شيء إلا وهو مستور بوجوده ، وهو الستر العام ، فإن الأمور كلها ستور بعضها على بعض ، وأعلاها سترا الاسم الظاهر ، فإنه ستر على الاسم الباطن الإلهي ، وما ثمّ وراء الله مرمى ، فهو ستر عليه ، وكل حرف جاء لمعنى فهو ستر عليه ، والقلب محل الصور الإلهية التي أنشأتها