الدعاء ، والدعاء مخ العبادة ، أي من يستكبر عن الذلة إليّ والمسكنة ، فإن الدعاء سماه عبادة ، والعبادة ذلة وخضوع ومسكنة (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ) وهو البعد عن الله ، فإن جهنم سميت به لبعد قعرها ، (داخِرِينَ) أي أذلاء ، فوصفهم الحق بأنهم لا يخرجون عن العبودية ، وأن الذلة حقيقتهم ـ [إشارة : من لم ير أن يكون عبدا لي فإنه سيكون عبدا لطبيعته] ـ إشارة ـ من لم ير أن يكون عبدا لي كما هو في نفس الأمر ، فإنه سيكون عبدا لطبيعته التي هي جهنم ، ويذل تحت سلطانها ، كما هو ليس هو في نفس الأمر ، فترك العلم واتصف بالجهل ، فلو علم لكان عبدا لي وما دعا غيري ، كما هو في نفس الأمر عبد لي ، أحب أم كره ، وجهل أو علم ، وإذا كان عبدا لي بدعائه إياي ولم يتكبر في نفسه أن يكون عبدا لي عند نفسه ، أعطيته التصريف في الطبيعة ، فكان سيدا لها وعليها ، ومصرفا لها ومتصرفا فيها ، ومن استكبر عن عبادتي ولم يدعني في السراء وكشف الضر ، تعبدته الأسباب فكان من الجاهلين ، وأما إذا فعلوا ما أمروا به من دعاء الله جازاهم الله بدخول الجنة أعزاء ـ تحقيق ـ إن الله تعالى لما اتصف بالغيرة ، ورأى ما يستحقه من المرتبة قد نوزع فيها ، ورأى أن المنسوب إليهم هذا النعت وهذا الاسم لم يكن لهم فيه قصد ولا إرادة ، من فلك وملك ومعدن ونبات وحيوان وكوكب ، وأنهم يتبرؤون ممن عبدهم يوم القيامة ، قضى الله حوائج من عبدهم غيرة ، ليظهر سلطان هذه النسبة ، لأنهم ما عبدوه لكونه حجرا ولا شجرا ، بل عبدوه لكونه إلها في زعمهم ، فالإله عبدوا ، فما رأى معبودا إلا هو ، ولهذا يوم القيامة ما يأخذهم إلا بطلب المعبودين ، فإن ذلك من مظالم العباد ، فمن هناك يجازيهم الله بالشقاء لا من حيث عبادتهم ، فالعبادة مقبولة ، ولهذا يكون المآل إلى الرحمة مع التخليد في جهنم ، فإنهم أهلها ، وقد اجتمعوا معنا في كوننا ما عبدنا هذه الذات لكونها ذاتا بل لكونها إلها ، فوضعنا الاسم حقيقة على مسماه ، فهو الله حقا لا إله إلا هو ، فلما نسبنا ما ينبغي لمن ينبغي سمانا علماء سعداء ، وأولئك جهلاء أشقياء ، لأنهم وضعوا الاسم على غير المسمى فأخطؤوا ، فهم عباد الاسم ، فراعى الحق سبحانه قصدهم حيث أنهم ما عبدوا إلا الله لا الأعيان ، فصيرهم في العاقبة إلى شمول الرحمة بعد استيفاء حقوق المعبودين منهم ، ولذلك جعله من الكبائر التي لا تغفر ـ رقيقة ـ لما كان الحق له حضرة الإطلاق عن التقييد ، ففي موطن يقول سبحانه : (ادْعُونِي) ؛ وفي موطن يعرفنا بأنه قد قضى القضية ، وما يبدل القول لديه ، وما سبق العلم به فهو كائن ، ولا ينجي حذر من قدر ، قلت بيتين