رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة الرحمن ـ العامة لجميع ما خلق الله دنيا وآخرة ، وعلوا وسفلا ـ على الجن ، فما قال في آية منها : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالت الجن : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ؛ فمدحهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه بحسن الاستماع ، حين تلاها عليهم ولم يقولوا شيئا من ذلك ، فقال لهم : [لقد تلوتها على إخوانكم من الجن فكانوا أحسن استماعا لها منكم ، وذكر الحديث] وفيه [فما قلت لهم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالوا : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب] فكان ذلك المدح في شرف الجن علينا ، ولم يكن سكوت الصحابة عن جهل بأن الآلاء من الله ، ولا أن الجن أعرف منهم بنسبة الآلاء إلى الله ، ولكن الجن وفّت بكمال المقام الظاهر حيث قالت : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ؛ فإن الموطن يقتضيه ، ولم تقل ذلك الصحابة من الإنس حين تلاها عليهم ، شغلا منهم بتحصيل علم ما ليس عندهم مما يجيء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فشغلهم ذلك الحرص على تعمير الزمان الذي يقولون فيه ما قالت الجن ، أن يقول النبي صلىاللهعليهوسلم ما يقول من العلم ، فيستفيدون ، فهم أشد حرصا على اقتناء العلم من الجن ، والجن أمكن في توفية الأدب بما يقتضيه هذا الموطن من الجواب من الإنس ، فمدحهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما فضلوا به على الإنس ، وما مدح الإنس بما فضلوا به على الجن ، من الحرص على مزيد العلم بسكوتهم عنده تلاوته ، ولا سيما والحق يقول لهم : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) والسورة واحدة في نفسها ، كالكلام غير التام ، فهم ينصتون حتى يتمها ، فجمع الصحابة من الإنس بين فضيلتين لم يذكرهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذكر فضل الجن فيما نطقوا به ، فإن نطقهم تصريح بالعبودية بلسان الظاهر ، وهم بلسان الباطن أيضا عبيد ، فجمعوا بين اللسانين بهذا النطق والجواب ، ولم يفعل الإنس من الصحابة ذلك عند التلاوة ، فنقصهم هذا اللسان ، فكان توبيخ رسول الله صلىاللهعليهوسلم إياهم تعليما بما تستحقه المواطن ، أعني مواطن الألسنة الناطقة ليتنبهوا ، فلا يفوتهم ذلك من الخير العملي ، فإنهم كانوا في الخير العلمي في ذلك الوقت ، وحكم العمل في موطنه لا يقاومه العلم ، فإن الحكم للموطن ، وحكم العلم في موطنه لا يقاومه العمل ، فنبّه رسول الله صلىاللهعليهوسلم الصحابة على الأكمل في موطنه ، وهو المعلم فنعم المؤدب ، وانظر ما أعلم الجن بحقائق ما خوطبوا ، كيف أجابوا بنفس ما خوطبوا به ، حتى بالاسم الرب ، ولم يقولوا : يا إلهنا ولا غير ذلك ، ولم يقولوا : ولا بشيء منها ؛ وإنما قالوا : من آلائك ؛ كما