إنما هي أول صورة قبل عندما أوجده الله ، ثم تختلف عليه الصور بحسب ما يريد أن يدخل فيها ، ولما نفخ الروح في اللهب وهو كثير الاضطراب لسخافته ، وزاده النفخ اضطرابا ، وغلب الهواء عليه ، وعدم قراره على حالة واحدة ، ظهر عالم الجان في تلك الصورة ، وكما وقع التناسل في البشر بإلقاء الماء في الرحم ، فكانت الذرية والتوالد في هذا الصنف البشري الآدمي ، كذلك وقع التناسل في الجان بإلقاء الهواء في رحم الأنثى منهم ، فكانت الذرية والتوالد في صنف الجان ، وخلق الله الجان شقيا وسعيدا ، وكذلك خلق الإنس ، وخلق الله الملك سعيدا لا حظ له في الشقاء ، فسمي شقي الإنس والجان كافرا ، وسمي السعيد من الجن والإنس مؤمنا ، وكذلك شرك بينهما في الشيطنة ، فقال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) فمن ثبت على إغوائه من الجن كان شيطانا ، ومن ثبت على الطاعات لم يكن شيطانا ، وهذا الثبات على الحالين بما في الجن من الترابية ، وبما فيها من المائية ذهبت حمية النارية ، فمنهم الطائع والعاصي مثلنا ، والتوالد من الجن إلى اليوم باق ، وكذلك فينا ، فأصل أجسام الملائكة نور ، والجن نار مارج ، والإنسان مما قيل لنا ، ولكن كما استحال الإنس عن أصل ما خلق منه ، كذلك استحال الملك والجن عن أصل ما خلقا منه إلى ما هما عليه من الصور ، فالملائكة أرواح منفوخة في أنوار ، والجان أرواح منفوخة في رياح ، والأناسي أرواح منفوخة في أشباح ، والجن مع كونهم موصوفين باللطافة فهم من نار مركبة ، فيها رطوبة المواد ، والشياطين من الجن هم الأشقياء المبعدون من رحمة الله منهم خاصة ، والسعداء بقي عليهم اسم الجن ، وهم خلق بين الملائكة والبشر الذي هو الإنسان ، فالجن عنصري ولهذا تكبر ، فلو كان طبيعيا خالصا من غير حكم العنصر ما تكبر وكان مثل الملائكة ، فهو برزخي النشأة ، له وجه إلى الأرواح النورية بلطافة النار منه ، فله الحجاب والتشكل ، وله وجه إلينا ، به كان عنصريا ومارجا ، ولما غلب على الجان عنصر الهواء والنار ، لذلك كان غذاؤهم ما يحمله الهواء مما في العظام من الدسم ، فإن الله جاعل لهم فيها رزقا ، فإنا نشاهد جوهر العظم وما يحمله من اللحم لا ينقص منه شيء ، فعلمنا قطعا أن الله جاعل لهم فيها رزقا ، ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم في العظام : [إنها زاد إخوانكم من الجن] وفي حديث : [إن الله جاعل لهم فيها رزقا] وأما اجتماع بعضهم ببعض عند النكاح فالتواء ، مثل ما تبصر الدخان الخارج من الأتون أو من فرن الفخار ، يدخل بعضه في بعضه ، فيلتذ