والحزن لها ، فلما كان من أمر آدم ما كان ، أظهر الحارث ما كان يجد في نفسه منه ، وأبى امتثال أمر خالقه بالسجود لآدم ، واستكبر على آدم بنشأته وافتخر بأصله ، وغاب عن سر قوة الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ، ومنه كانت حياة الجان وهم لا يشعرون ، وكان أول من سمي شيطانا ، أي مبعودا من رحمة الله ، من الجن الحارث ، فأبلسه الله ، أي طرده من رحمته ، ومنه تفرعت الشياطين بأجمعها ، وجعل الله سماع الجن للقرآن إذا تلي عليهم أحسن من سماع الإنس ، فلما تلا عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم سورة الرحمن ، فما قال في آية منها.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (١٦)
إلا قالت الجن : ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب ؛ وكيف وفي نعمائك نتقلب ، ثم تلاها بعد ذلك صلىاللهعليهوسلم على الإنس من أصحابه ، فلم يظهر منهم من القول عند التلاوة ما ظهر من الجن ، فقال صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : [إني تلوت هذه السورة على الجن ، فكانوا أحسن استماعا لها منكم] وذكر الحديث ، كما ذكر تعالى عنهم الإنصات عند سماع القرآن ، فقال تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) إلى آخر الآية ، وقال عن الجن : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ، فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) إلى آخر الآية ، ولا روي عن أحد من الإنس أنه قال مثل هذا القول.
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١٧)
ـ الوجه الأول ـ لشروق الشمس وغروبها في زمان الصيف والشتاء ـ الوجه الثاني ـ
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ) في ظاهر النشأتين (وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) في باطن الصورتين.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (١٨) يا هذان
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ) (٢٠)
أي لا يختلط أحدهما بالآخر ، وإن عجز الحس عن الفصل بينهما ، والعقل يقضي أن