بينهما حاجزا يفصل بينهما ، فذلك الحاجز المعقول هو البرزخ ، فلو لا ذلك البرزخ لم يتميز أحدهما عن الآخر ولأشكل الأمر ، فهو خط وهمي بين النقيضين لئلا يقع الالتباس.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) (٢٢)
اللؤلؤ هو ما كبر من الجوهر ، والمرجان هو ما صغر منه.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٥) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) (٢٦)
بزوال شكله وصورته وانتقال روحه إلى البرزخ ، فإنه سبحانه ما يسوي صورة محسوسة في الوجود إلا وينفخ الله فيها روحا من أمره ، لا يزال يسبحه ذلك الشكل بصورته وروحه إلى أن يزول ، فينتقل روحه إلى البرزخ ، وقال تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها) ولم يقل : كل من فيها (فانٍ) لأنه إذا كان فيها انحفظ بها وإذا كان عليها تجرد عنها.
(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (٢٧)
الجلال من صفات الوجه فله البقاء دائما ، وهو من أدل دليل على أن كل ما في الدنيا في الآخرة بلا شك ، قال تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) فقال قائل : بأي نسبة يكون له هذا البقاء؟ فقال : (ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) فرفع بنعت الوجه ، فلو خفض نعت الرب ، وكان النعت بالجلال وله النقيضان ، فيبقى الوجه الذي له النقيضان ولا يفنى ، وإنما يفنى ما كان على هذه الأرض فناء انتقال في الجوهر وفناء عدم في الصورة ، فيظهر مثل الصورة لا عينها في الجوهر الباقي الذي هو عجب الذنب ، الذي تقوم عليه النشأة الآخرة ـ نصيحة ـ اعلم أن للإنسان وجهين : وجها إلى ذاته ووجها إلى ربه ، ومع أي وجه توجهت غبت عن الآخر ، غير أن هنا لطيفة أنبهك عليها ، وذلك أنّك إذا توجهت إلى مشاهدة وجهك غبت عن وجه ربك ذي الجلال والإكرام ، ووجهك هالك ، فإذا انقلبت إليه فني عنك وجهك ، فصرت غريبا في الحضرة تستوحش فيها ، وتطلب وجهك الذي كنت تأنس به