فلا تجده ، وإن توجهت إلى وجه ربك وتركت وجهك أقبل عليك ولم يكن لك مؤنس سواه ، ولا مشهود إلا إياه ، فإذا انقلبت إليه الانقلاب الخاص الذي لابد لكل إنسان منه ، وجدت من كان لك قبل هذا الانقلاب أنيسا وجليسا وصاحبا ، ففرحت بلقائه وعاد الأنس أعظم ، وتتذكر الأنس الماضي فتزيد أنسا على أنس ، وترى عنده وجه ذاتك ولا تفقده ، فتجمع بين الوجهين في صورة واحدة ، فيتحد الأنس لاتحاد الوجهين ، فيعظم الابتهاج والسرور ، فالمؤمن الكامل يكون بباطنه مع الله في كل حال.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٢٨) يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢٩)
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بلسان حال ولسان مقال ، وهكذا ينبغي أن يكون الملك يستشرف كل يوم على أحوال أهل ملكه ، فما له شغل إلا بها ، فيقول تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) اليوم هنا قدر نفس المتنفس في الزمان الفرد ، فإن الأيام كثيرة ، ومنها كبير وصغير ، وأصغر الأيام الزمن الفرد الذي لا يقبل القسمة ، وعليه يخرج قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) فسمى الزمان الفرد يوما ، لأن الشأن يحدث فيه ، فهو أصغر الأزمان وأدقها ، ولا حد لأكبرها يوقف عنده ، وبينهما أيام متوسطة ، أولها اليوم المعلوم في العرف وتفصّله الساعات ، فاليوم في هذه الآية هو الزمن الفرد في كل شيء الذي لا ينقسم ، وذلك من اسمه تعالى الدهر ، لأن من صفة الدهر التحول القلب ، والله هو الدهر ، وثبت أنه يتحول في الصور وأنه (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) ، والشأن هو ما يحدثه الله من التغييرات في الأكوان ، وهو ما نحن فيه وهو يخلقه ، فالشأن ليس إلا الفعل وهو ما يوجده الله في كل يوم من أصغر الأيام ، فوصف الحق نفسه أنه كل يوم في شأن ، يعني أنه هو في شؤون ، وليست التصريفات والتقليبات والعالم سوى هذه الشؤون التي الحق فيها ، وذلك راجع إلى التحول الإلهي في الصور الوارد في الصحيح ، فمن هناك ظهر التغيير في الأكوان أبد الآبدين إلى غير نهاية ، لتغير الأصل ، ومن هذه الحقيقة ظهر حكم الاستحالة في العالم ، وهو الشؤون المختلفة ، لأنه ما ثمّ إلا الله والتوجه وقبول الممكنات لما أراد الله بذلك التوجه ،