هذا هو التوحيد الثلاثون في القرآن وهو توحيد الحياة ، وهو توحيد الكل ، وهو من توحيد الهوية الخالصة ، والحياة شرط في كل مسبح ، وما من شيء من العالم إلا وهو مسبح بحمده ، فتوحيد الحياة توحيد الكل ، ولا ثناء أكمل من الثناء بالأحدية ، فإن فيها عدم المشاركة ، فالتوحيد أفضل الثناء ، وهو لا إله إلا الله ، فلهذا قلنا : إنه توحيد الحياة وتوحيد الكل ، وهو إخلاص التوحيد لله من الله ومن العالم.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦٧)
خلق الله الإنسان من تراب الأرض ، أنزل موجود خلق ، ليس وراءها وراء ، ولما أراد الله أن يخلقنا لعبادته قرب الطريق علينا ، فخلقنا من تراب في تراب ، وهو الأرض التي جعلها الله ذلولا ، والعبادة الذلّة ، فنحن الأذلاء بالأصل ، لا نشبه من خلق نورا من النور وأمر بالعبادة ، فبعدت عليهم الشقة لبعد الأصل مما دعاهم إليهم من عبادته ، فلو لا أن الله أشهدهم بأن خلقهم في مقاماتهم ابتداء لم ينزلوا منها ، فلم يكن لهم في عبادتهم ارتقاء كما لنا ، ما أطاقوا الوفاء بالعبادة ، فإن النور له العزة ما له الذلة ، فمن عناية الله بنا لما كان المطلوب من خلقنا عبادته أن قرّب إلينا الطريق بأن خلقنا من الأرض ، التي أمرنا أن نعبده فيها ، وجعل تعالى هذه الأرض محلا للخلافة ، فهي دار ملكه ، وموضع نائبه الظاهر بأحكام أسمائه ، فمنها خلقنا وفيها أسكننا أحياء وأمواتا ، ومنها يخرجنا بالبعث في النشأة الأخرى ، حتى لا تفارقنا العبادة حيث كنا دنيا وآخرة ، وإن كانت الآخرة ليست بدار تكليف ولكنها دار عبادة.
(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٦٨)