ما يليق به ويقتضيه أفقه وحركة فلكه ومرتبته ، وقد قال تعالى فيما شرّف سليمان به أنه علمه منطق الطير ، فعرف لغتها ، وتبسم ضاحكا من قول النملة للنمل ، وفي القرآن وفي الأخبار الصحيحة من هذا كثير ، فكلام كل جنس ما يشاكله ، وعلى حسب ما يليق بنشأته ويعطيه استعداد القبول للروحانية الإلهية السارية في كل موجود ، وكل يعمل على شاكلته ، فما من موجود بعد هذا إلا ويتفق منه السؤال ، فشأنه في كل دقيقة خلق السؤال في السائلين وخلق الإجابة بقضاء الحاجات ، وتنزل على أصحابها بحسب دورة الفلك الذي يخلق منه الإجابة ، فإن كان الفلك بعيدا أعني حركة التقدير التي بها تنزل على صاحبها بعد كذا وكذا حركة ، فتتأخر الإجابة ، وقد تتأخر للدار الآخرة بحسب حركتها ، وإن كان فلكها قريبا أعني حركة التقدير التي خلقت الإجابة فيها ، ظهر الشيء في وقته أو يقرب ، ولهذا أخبر النبي عليهالسلام أن كل دعوة مجابة ، لكن ليس من شرطها الإسراع في الوقت ، فمنها المؤجل والمعجل ، بحسب الذي بلغ حركة التقدير ، فلا زال الخالق في شأن ، فلا تزال هذه الأيام دائمة أبدا ، ولا يزال الأثر والفعل والانفعال في الدنيا والآخرة ، وقد أثبت الحق تعالى دوام هذه الأيام فقال : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) وخلودهم لا يزال ، هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار ، والسموات والأرض لا تزال ، والأيام دائمة لا تزال دائرة أبدا بالتكوين ، فالتنوعات والتبديلات ينبغي للعاقل أن لا ينكرها ، فإن لله في حق كل موجود في العالم شأنا ، فانظر في هذا التوسع الإلهي ما أعظمه ، فقد تبين أن الأيام لا تزال أبدا ، والشأن لا يزال أبدا ، فإن العقل لا يزال أبدا ، فلابد أن يكون الانفعال لا يزال.
(فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٣٠) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) (٣١)
وفيه ترتيب الفعل ، وقال تعالى ذلك في حق الثقلين خاصة على طريق الوعيد والتخويف ، حيث لم يجعلوا نواصيهم بيده ، وهو أن يتركوا إرادتهم لإرادته فيما أمر به ونهى ، وما سمى الله الإنس والجان بهذا الاسم إلا ليميزهما بالثقل عمن سواهما ، دائما حيث كانا ، فلا تزال أرواحهما تدبر أجساما طبيعية وأجسادا دنيا وبرزخا وآخرة ، فما لهما نعيم إلا بالمشاكل لطبعهما ، وسمانا الحق بالثقلين لما فينا من الثقل ، ثقل الكون ، وهو عين تأخرنا بالوجود ، فأبطأنا ، ومن عادة الثقيل الإبطاء ، كما أنه من عادة الخفيف الإسراع ، فنحن