الحدود صار الحكم للرحمة العامة في العموم.
(وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١١)
أهل القربة هم خصوص في السعداء ، أورثهم ذلك المقام المسابقة إلى الخيرات على طريق الاقتصاد ، من إعطاء كل ذي حق حقه ، وذلك بما سبق لهم عند الله ، ومقامهم يسمى مقام القربة في الولاية ، وهم الرجال الذين حلّوا من الولاية أقصى درجاتها ، وما فوقهم إلا درجة النبوة ، اقتطعهم الله تعالى إليه ، وحبسهم في خيام صون الغيرة الإلهية في زوايا الكون أن تمتد إليهم عين فتشغلهم ، لا والله ، ما يشغلهم نظر الخلق إليهم ، لكنه ليس في وسع الخلق أن يقوموا بما لهذه الطائفة من الحق عليهم لعلو منصبها ، فتقف العباد في أمر لا يصلون إليه أبدا ، فحبس ظواهرهم في خيمات العادات والعبادات ، من الأعمال الظاهرة والمثابرة على الفرائض منها والنوافل ، فلا يعرفون بخرق عادة ، فلا يعظمون ولا يشار إليهم بالصلاح الذي عرف في العامة ، مع كونهم لا يكون منهم فساد ، فهم الأخفياء الأبرياء الأمناء في العالم ، الغامضون في الناس ، فيهم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ربه عزوجل : [إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة ، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر والعلانية وكان غامضا في الناس] يريد أنهم لا يعرفون بين الناس بكبير عبادة ، ولا ينتهكون المحارم سرا وعلنا ، فصانهم الحق بأداء الفرائض في الجماعات والدخول مع الناس في كل بلد بزي ذلك البلد ، ولا يوطن مكانا في المسجد ، وتختلف أماكنه في المسجد الذي تقام فيه الجمعة ، حتى تضيع عينه في غمار الناس ، وإذا كلم الناس فيكلمهم ويرى الحق رقيبا عليه في كلامه ، وإذا سمع كلام الناس سمع كذلك ، ويقلل من مجالسة الناس إلا من جيرانه ، حتى لا يشعر به ، ويقضي حاجة الصغير والأرملة ، ويلاعب أولاده وأهله بما يرضي الله تعالى ، ويمزح ولا يقول إلا حقا ، وإن عرف في موضع انتقل عنه إلى غيره ، فإن لم يتمكن له الانتقال استقضى من يعرفه وألح عليهم في حوائج الناس حتى يرغبوا عنه ، هذا كله ما لم يرد الحق إظهاره وشهرته من حيث لا يشعر ، وإنما نالت هذه الطائفة هذه المرتبة عند الله لأنهم صانوا قلوبهم أن يدخلها غير الله ، أو تتعلق بكون من الأكوان سوى