يتأول ذلك من لا علم له بحمله على فصول السنة ، أن الفاكهة تنقضي بانقضاء زمانها ثم تعود في السنة الأخرى ، وفاكهة الجنة دائمة التكوين لا تنقطع ، وهي عندنا كما قال الله : (لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) فإن الله جاعل لنا في الجنة رزقا يسمى قطفا وتناولا ، كما جعل الله لعالم الجن في العظام رزقا ، وما نرى ينقص من العظم شيء ، ونحن بلا شك نأكل من فاكهة الجنة قطفا دانيا ، مع كون الثمرة في موضعها من الشجرة ما زال عينها ، لأنها دار بقاء لما يتكون فيها ، فهي دار تكوين لا دار إعدام ، فإن من إدراكات الجنة أن فاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة ، مع وجود الأكل وارتفاع الحجر ، فيأكلها من غير قطع بمجرد القطف وقربه من الشخص ، وعدم امتناعها من القطف ، ووجود الأكل وبقاء العين في غصن الشجرة ، فتشاهدها غير مقطوعة ، وتشاهدها قطفا في يدك تأكلها ، وتعلم وما تشك أن عين ما تأكله هو عين ما تشهده في غصن شجرته غير مقطوع ، ففاكهة الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة ، بل قطف دان من غير فقد مع وجود أكل وطيب طعم.
(وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) (٤٠)
ثم أخبر تعالى عن ما أعد في جهنم لمن عصاه وأشرك به فقال :
(وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ) (٤٣)
اليحموم هو الهواء المظلم.
(لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ) (٤٥)
(وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ) (٤٦) الإصرار : الإقامة.
(وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ