(٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (٥٢) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (٥٩)
ولم يقل تعالى : أأنتم تخلقون منه ولا فيه ، وإنما قال : تخلقونه ، فأراد عين إيجاده منيا خاصة ، والاسم المصور هو الذي يتولى فتح الصورة فيه.
(نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) (٦١)
ـ الوجه الأول ـ الله يحدث نشأة الإنسان مع الأنفاس ولا يشعر ، وفي كل نفس له فينا إنشاء جديد بنشأة جديدة ، ومن لا علم له بهذا فهو في لبس من خلق جديد ، لأن الحس يحجبه بالصورة التي يحس بتغييرها ، مع ثبوت عين القابل للتغيير مع الأنفاس ـ الوجه الثاني ـ من ذلك علمنا أن الله ينشيء كل منشأ فيما لا يعلم ، أي لا يعلم له مثال إلا إن أعلمه الله ـ الوجه الثالث ـ لو كانت إعادة أرواحنا إلى أجسادنا على هذا المزاج الخاص الذي كان لنا في النشأة الدنيا لم يصح قوله تعالى : (فِي ما لا تَعْلَمُونَ) ، فإنه قد قال : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) وقال : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) يعني في النشأة الآخرة أنها تشبه النشأة الدنياوية في عدم المثال ، فالأخرى تجديد نشأة أخرى في الكل ، لا يعرفها العقل الأول ولا اللوح المحفوظ ، فاعلم أن الدار داران تسكنهما الأرواح الناطقة ، وهو البدن الطبيعي المسوى المعدل الذي خلقه الله بيديه ووجه عليه صفتيه ، فلما أنشأه أسكنه دارا أخرى هي دار الدار ، وقسم سبحانه دار الدار قسمين : قسما سماه الدنيا وقسما سماه