وتحمل أعباءهم ، وجهلهم وأذاهم ، وجازاهم بالإساءة إحسانا ، وبالذنب عفوا ، وعن الإساءة تجاوزا ، وسعى في كل ما فيه راحة لمن سعى له ، ولما كان من المحال أن يعم الإنسان بخلقه ويبلغ به رضى جميع العالم ، لما هو العالم عليه في نفسه من المخالفة والمعاداة ، فإذا أرضى زيدا أسخط عدوه عمرا ، فلم يعم بخلقه جميع العالم ، فلما رأى استحالة ذلك التعميم عدل إلى تصريف خلقه مع الله ، فنظر إلى كل ما يرضي الله فقام فيه ، وإلى كل ما يسخطه فاجتنبه ، ولم يبال ما وافق ذلك من العالم مما يخالفه ، وإذا تصرف التالي في العالم تصرف الحق من رحمته ، وبسط رزقه وكنفه على العدو والولي ، والبغيض والحبيب ، بما يعم مما لا يقدح ، ويخص جناب الحق بطاعته وإن أسخط العدو ، كما خص الحق بتوفيقه بعض عباده ولم يعم كما عم في الرزق ، فمن هذه صفته في حال تلاوته فإنه يتلو القرآن الكريم الذي في كتاب مكنون ، وهو قوله تعالى :
(فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ) (٧٨)
يعني بالكتاب المكنون الذي هو صحف مكرمة ، مرفوعة مطهرة ، بأيدي سفرة ، كرام بررة.
(لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (٨٠)
وما قال : رب المؤمنين ؛ لعموم الكرم في الرزق والحياة الدنيا.
(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) (٨٣)
يعني خروج النفس بالموت.
(وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ) (٨٥)
ذلك في حق المحتضر وما خصّ ميتا من ميت ، أي ما خصّ سعيدا في القرب من شقي ، يقول تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) يعني المحتضر ، فإنه ما فارق الدنيا ، إلا أنه على أهبة