وانتفت عنه أولية التقييد ، فسمع المسموع وأبصر المبصر إلى غير ذلك ، وأعيان المسموعات منا والمبصرات معدومة غير موجودة ، وهو يراها أزلا كما يعلهما أزلا ، ويميزها ويفصّلها أزلا ولا عين لها في الوجود النفسي العيني ، بل هي أعيان ثابتة في رتبة الإمكان ، فالإمكانية لها أزلا كما هي لها حالا وأبدا ، لم تكن قط واجبة لنفسها ثم عادت ممكنة ، ولا محالا ثم عادت ممكنة ، بل كان الوجوب الذاتي لله تعالى أزلا ، كذلك وجوب الإمكان للعالم أزلا ، فالله في مرتبته بأسمائه الحسنى يسمى منعوتا وموصوفا بها ، فعين نسبة الأول له نسبة الآخر والظاهر والباطن ، لا يقال : هو أول بنسبة كذا وآخر بنسبة كذا ، فإن الممكن مرتبط بواجب الوجود في وجوده وعدمه ارتباط افتقار إليه في وجوده ، فإن أوجده لم يزل في إمكانه ، وإن عدم لم يزل عن إمكانه ، فكما لم يدخل على الممكن في وجود عينه بعد أن كان معدوما صفة تزيله عن إمكانه ، كذلك لم يدخل على الخالق الواجب الوجود في إيجاده العالم وصف يزيله عن وجوب وجوده لنفسه ، فلا يعقل الحق إلا هكذا ، ولا يعقل الممكن إلا هكذا ، فأولية العالم وآخريته أمر إضافي ، فالأول من العالم بالنسبة إلى ما يخلق بعده ، والآخر من العالم بالنسبة إلى ما يخلق قبله ، وليس كذلك معقولية الاسم الله الأول والآخر والظاهر والباطن ، فإن العالم يتعدد والحق واحد لا يتعدد ، ولا يصح أن يكون أولا لنا ، بل كان ينطلق علينا اسم الثاني لأوليته ، ولبسنا بثان له ، تعالى عن ذلك ، فليس هو بأول لنا ، فلهذا كان عين أوليته عين آخريته ، فإن الله تعالى هو الأول الذي لا أولية لشيء قبله ، ولا أولية لشيء يكون قائما به أو غير قائم به معه ، فهو الواحد سبحانه ، في أوليته ، فلا شيء واجب الوجود لنفسه إلا هو ـ مسألة ـ العلة متقدمة على معلولها بالمرتبة بلا شك ، سواء كان ذلك سبق العلم أو ذات الحق ، ولا يعقل بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن بون زماني ولا تقدير زماني ، وإذا لم يعقل بين الحق والخلق بون زماني فلم يبق إلا الرتبة ، فلا يصح أن يكون أبدا الخلق في رتبة الحق ، كما لا يصح أن يكون المعلول في رتبة العلة من حيث ما هو معلول عنها ، فالعالم لم يبرح في رتبة إمكانه سواء كان معدوما أو موجودا ، والحق تعالى لم يبرح في مرتبة وجوب وجوده لنفسه سواء كان العالم أو لم يكن ، فلو دخل العالم في الوجوب النفسي ، لزم قدم العالم ومساوقته في هذه الرتبة لواجب الوجود لنفسه وهو الله ، ولم يدخل ، بل بقي على إمكانه وافتقاره إلى موجده وسببه وهو