الله تعالى ، فلم يبق معقول البينية بين الحق والخلق إلا التمييز بالصفة النفسية ، فبهذا نفرق بين الحق والخلق ، أما كون الله علة في وجود العالم فهو أدل دليل على توحيد الله تعالى ، غير أن إطلاق هذا اللفظ عليه لم يرد به الشرع فلا نطلقه عليه ولا ندعوه به ، فنقول : (هُوَ الْأَوَّلُ) في الوجود (وَالْآخِرُ) في الشهود.
فالأول الحق بالوجود |
|
والآخر الحق بالشهود |
إليه عادت أمور كوني |
|
فإنما الرب بالعبيد |
فكل ما أنت فيه حق |
|
ولم تزل في مزيد |
وهو الإله الظاهر والباطن ، فإنه لما كان العالم له الظهور والبطون ، كان هو سبحانه الظاهر لنسبة ما ظهر منه ، والباطن لنسبة ما بطن منه ، وهو تعالى (الظَّاهِرُ) لنفسه لا لخلقه ، فلا يدركه سواه أصلا ، وأما ما ظهر فإنما هو ظهور أحكام أسمائه الحسنى وظهور أحكام أعياننا في وجود الحق ، وهو من وراء ما ظهر ، فلا أعياننا تدرك رؤية ، ولا عين الحق تدرك رؤية ، ولا أعيان أسمائه تدرك رؤية ، ونحن لا نشك أنا قد أدركنا أمرا ما رؤية ، وهو الذي تشهده الأبصار منا ، فما ذلك إلا الأحكام التي لأعياننا ظهرت لنا في وجود الحق ، فكان مظهرا لها ، فظهرت أعياننا ظهور الصور في المرائي ، ما هي عين الرائي ولا هي عين المجلى (وَالْباطِنُ) البطون يختص بنا كما يختص به الظهور ، وإن كان له البطون فليس هو باطنا لنفسه ولا عن نفسه ، كما أنه ليس ظاهرا لنا ، فالبطون الذي وصف نفسه به إنما هو في حقنا ، فلا يزال باطنا عن إدراكنا إياه حسا ومعنى ، فإنه ليس كمثله شيء ، ولا تدرك إلا الأمثال ، فظهر الحق باحتجابه فهو الظاهر المحجوب ، فهو الباطن للحجاب لا لك ، وهو الظاهر لك وللحجاب ، فسبحان من احتجب في ظهوره ، وظهر في حجابه ، فلا تشهد عين سواه ، ولا ترتفع الحجب عنه ، ولا يزال ربا ولم نزل عبيدا في حال عدمنا ووجودنا اعلم أن الحق تسمى بالظاهر والباطن من حيث ما نسب الحق إلى نفسه من الصورة ، فالظاهر للصور التي يتحول فيها ، والباطن للمعنى الذي يقبل ذلك التحول والظهور في تلك الصور ، فهو عالم الغيب من كونه الباطن ، والشهادة من كونه الظاهر ، وتجلى الحق لكل من تجلى له ـ من أي عالم كان من عالم الغيب والشهادة ـ إنما هو من الاسم الظاهر ، وأما الاسم الباطن فمن حقيقة هذه النسبة أن لا يقع فيها تجل أبدا ،