أنه ظاهر من حيث ما هو باطن ، وباطن من عين ما هو ظاهر ، وأول من عين ما هو آخر ، وكذلك القول في الآخر ، لا يتصف أبدا بنسبتين مختلفتين كما يقرره العقل من حيث ما هو ذو فكر ، إذ لو كانت معقولية الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية في نسبتها إلى الحق ، معقولية نسبتها إلى الخلق ، لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي ، ولا استعظم العارفون بحقائق الأسماء ورود هذه النسب ، بل يصل العبد إذا تحقق بالحق أن تنسب إليه الأضداد وغيرها ، من عين واحدة لا تختلف ، وإذا كان العبد يتصور في حقه وقوع هذا ، فالحق أجدر وأولى ، إذ هو المجهول الذات ، فالحق تعالى عين الضدين ، إذ لا عين زائدة ، فالظاهر عين الباطن والأول والآخر (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ذكر ذلك عن نفسه بطريق المدحة لذاته ، فالعلم من كمال الألوهية ، بل لا تصح الألوهية إلا به ، وهو كونه عالما بكل شيء ، وهذه الآية إشارة لأهل الكشف والصوفية ، تنبيها أنه الوجود كله ، فإن هذا تقسيمه ، فليس إلا هو ، فلو وقفت النفوس مع ما ظهر لعرفت الأمر على ما هو عليه ، لكن طلبت أمرا غائبا عنها ، فكان طلبها عين حجابها ، فما قدرت ما ظهر حق قدره ، لشغلها بما تخيلت أنه بطن عنها ، وما بطن شيء ، وإنما عدم العلم أبطنه ، فما في حق الحق شيء بطن عنه ، فقال تعالى : (وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) أي الذي تطلبه في الباطن هو الظاهر فلا تتعب ، فمن شم رائحة من العلم بالله لم يقل : لم فعل كذا؟ وما فعل كذا؟ وكيف يقول العالم بالله لم فعل كذا؟ وهو يعلم أنه السبب الذي اقتضى كل ما ظهر وما يظهر ، وما قدم وما أخر ، وما رتب لذاته فهو عين السبب ، فلا يوجد لعلة سواه ولا يعدم ، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، فمشيئته عرش ذاته ، فمن علم نسب الأسماء الإلهية في أعيان الممكنات فتنوعت وتجنست وتشخصت ، علم أنّ سبب ظهور كل حكم في عينه اسمه الإلهي ، وليست أسماؤه سوى نسب ذاتية ـ مناجاة ـ إلهي كيف أوحدك ولا وجود لي في عين الأحدية؟ وكيف لا أوحدك والتوحيد سر العبودية؟ سبحانك لا إله إلا أنت ، ما وحدك من أحد ، إذ أنت كما أنت في سابق الأزل ولا حق الأبد ، فعلى التحقيق ما وحدك أحد سواك ، وفي الجملة ما عرفك إلا إياك ، بطنت وظهرت ، فلا عنك بطنت ، ولا لغيرك ظهرت.