(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤)
(وَهُوَ مَعَكُمْ) بهويته وبأسمائه ، بحسب ما يليق بجلاله من غير تكييف ولا تشبيه ولا تصور ، بل كما تعطيه ذاته وما ينبغي أن ينسب إليها من ذلك ، فإنه القائم على كل شيء ، القائم به كل شيء ، فهو مع كل شيء حيث كان ذلك الشيء ، ليحفظ عليه الوجود (أَيْنَ ما كُنْتُمْ) من الأحوال ، ولا يخلو موجود عن حال ، بل ما تخلو عين موجودة ولا معدومة أن تكون على حال وجودي أو عدمي ، في حال وجودها أو عدمها ، فهو تعالى مع الخلق بإعطاء كل شيء خلقه من كونهم خلقا ، ومعهم بكل ما تطلبه ذواتهم من لوازمها على أي حالة يكون الخلق عليها ، من الوصف بالعدم أو الوجود ، فهو معكم أينما كنتم أي على أي حال كنتم ، من عدم ووجود وكيفيات ، وذلك بأسمائه المؤثرة فينا خاصة ، والحافظة لنا والرقيبة علينا ، وأما الأسماء التي تختص بالعالم الخارج عن الثقلين فأسماء أخر ، ما هي الأسماء التي معنا أينما كنا ، فالحق معك على ما أنت عليه بحسب قبولك ، ما أنت معه ، فلا يصح أن يكون أحد مع الله ، فالله مع كل أحد بما هو عليه ذلك الواحد من الحال ، وكما لم يقيد الحق الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا ، لم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش ، كما لم يقيده سبحانه الاستواء والنزول عن أن يكون معنا أينما كنا ، بالمعنى الذي يليق به وعلى الوجه الذي يراه ، فالحكم الذي يصحب الحق ولا يحكم عليه زمان خاص (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فهو في العرش مع الحافين به ، وفي تلك الحالة هو في النزول مع أرواح العروج والنزول ، وفي تلك الحالة هو في السماء يخاطب أهل الليل ، وفي تلك الحال هو في الأرض ، أي موجود غير الله يوصف بهذه الصفات؟ ذلكم الله لا إله إلا هو فأنى يصرفون ؛ فأينما كنا كان الحق معنا ، كينونة وجودية منزهة كما يليق به ، وكان قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) تصديقا لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في دعائه ربه [اللهم أنت الصاحب في السفر] فسمى الحق صاحبا ، فهو تعالى الصاحب على كل حال مع العبد