في كل وجهة نكون فيها ، غير أننا حجبنا ، فسمى انفصالنا عن هذا الوجود الحسي بالموت لقاء الله ، وما هو لقاء وإنما هو شهود الرفيق الذي أخذ الله بأبصارنا عنه ، فقال : [من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه] فلم يعرفه المحجوب رفيقا حتى لقيه ، فإذا لقيه عرفه ـ دلالة هذه الآية على التوحيد ـ اعلم أنه مهما نظرت الوجود جمعا وتفصيلا ، وجدت التوحيد يصحبه لا يفارقه البتة ، صحبة الواحد الأعداد ، فإن الاثنين لا توجد أبدا ما لم تضف إلى الواحد مثله ، وهو الاثنين ، ولا تصح الثلاثة ما لم تزد واحدا على الاثنين ، وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فالواحد ليس العدد وهو عين العدد ، أي به ظهر العدد ، فالعدد كله واحد ، لو نقص من الألف واحد انعدم الألف وحقيقته ، وبقيت حقيقة أخرى وهي تسعمائة وتسعة وتسعون ، لو نقص منها واحد لذهب عينها ، فمتى انعدم الواحد من شيء عدم ، ومتى ثبت وجد ذلك الشيء ، هكذا التوحيد إن حققته (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) إشارة ـ العالم كله حرف جاء لمعنى ، معناه الله ، ليظهر فيه أحكامه ، إذ لا يكون في نفسه محلا لظهور أحكامه ، فلا يزال المعنى مرتبطا بالحرف ، فلا يزال الله مع العالم ، وهو قوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) ـ فائدة ـ غاية العامة إذا كانت مؤمنة أن تعلم أن الله معها ، والفائدة أن تكون أنت مع الله لا في أنه معك ، فكذلك هو الأمر في نفسه ، فمن كان مع الحق فلابد أن يشهد الحق ، ومن شهده فليس إلا وجود العلم عنده ، فإنه معك أينما كنت ، فلا تقع عينك إلا عليه ، لكن بقي عليك أن تعرفه ، فإن عرفته لم تطلبه ، فإنك لم تفقده ، فإذا رأيت من يطلبه فإنما يطلب سعادته في طريقه ، وسعادته دفع الآلام عنه ، ليس غير ذلك كان حيث كان ، فالجاهل كل الجاهل من طلب الحاصل ، فما أحد أجهل ممّن طلب الله ؛ لو كنت مؤمنا بقوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وبقوله (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) لعرفت أن أحدا ما طلب الله ، وإنما طلب سعادته حتى يفوز من المكروه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
(لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ