وإن لم يكشف عنهم العذاب في الدنيا ، وما اختص قوم يونس إلا بالكشف عنهم في الحياة الدنيا عند رجعتهم ، فيكون معنى قوله (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) يعني في الدنيا ، فإن الله يقول : (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فقول الله تعالى في هذه الآية كلام محقق في غاية الوضوح ، فإن النافع هو الله ، فما نفعهم إلا الله (سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) يعني الإيمان عند رؤية البأس غير المعتاد ، وليس في الآية أن بأس الآخرة لا يرتفع ، ولا أن الإيمان لا يقبل ، وإنما في الآية أن بأس الدنيا لا يرتفع عمن نزل به إذا آمن في حال رؤيته ، إلا قوم يونس : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله تعالى : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) أن هذا القدر مدة إقامة الحدود.
(٤١) سورة فصّلت مكيّة
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم
(حم (١) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣)
لما جمع الله بالرحمة المركبة القرآن في الكتب لا في الصدور ، فإنه في الصدور قرآن ، وفي اللسان كلام ، وفي المصاحف كتاب ، وضع ذلك الاسم المفصل عن أمر المدبر ، فإنه متقدم عليه بالرتبة ، فلهذا له الحكم في التفصيل بالقوة وللمفصل بالفعل ، فإن الله تعالى جمع بالرحمة المركبة الكتب ، وأنزل كل كتاب سورا وآيات ، والرحمة المركبة من الرحمن الرحيم ، فإن الرحمن له عموم الرحمة ، والرحيم له الرحمة الخاصة الواجبة ، فهي مركبة من رحمة عامة وهي التي وسعت كل شيء ، ومن رحمة خاصة وهي الرحمة التي تميز بها من اصطفاه الله واصطنعه لنفسه من رسول ونبي وولي ، ثم قال : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) وجعله