الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) (١٣)
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا) وهم المؤمنون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ) لهم من جانب الحق (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) كما رجعتم عندما رأيتم نور الهدى في الدنيا على أعقابكم ، فكانوا في ظلمة الكون (فَالْتَمِسُوا نُوراً) هنالكم ولن تجدوه ، انظروا إلى موجدكم هنالكم ، ولن تجدوه ، وقيل لهذه الطائفة ذلك القول وهو حق ، لأن الله من ورائهم محيط وهو النور ، فلو لم يضرب بالسور بينه وبينهم لوجدوا النور الذي التمسوه حين قيل لهم (فَالْتَمِسُوا نُوراً) أي لا يكون لأحد نور إلا من حياته الدنيا ، فإن الحياة الدنيا محل اكتساب الأنوار بالتكاليف ، وإنها دار عمل مشروع ، فهي دار ارتقاء واكتساب ، فلما أقبلوا على الآخرة صارت الدنيا وراءهم ، فقيل لهم (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) فحال سور المنع بينهم وبين الحياة الدنيا ، فقال تعالى (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) ـ الوجه الثاني ـ السور يسمى الأعراف بين الجنة والنار ، وجعله الله مكانا لمن اعتدلت كفتا ميزانه ، فلم ترجح إحداهما على الأخرى ، وقال فيه : (لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) هذه الآية يستدل بها على عموم رحمة الله في المآل ، فإن السور الذي بين الجنة والنار أخفى الله رحمته في باطنه ، وجعل العذاب في ظاهره لاقتضاء الموطن والزمان والحال ، فالسور الحائل بين الدارين الجنة والنار ، لا بين الصفتين الرحمة والعذاب ، فإن السور في نفسه رحمة ، وعينه عين الفصل بين الدارين ، لأن العذاب من قبله ما هو فيه والرحمة فيه ، فلو كان العذاب فيه لتسرمد العذاب على أهل النار كما تتسرمد الرحمة على أهل الجنة ، فالسور لا يرتفع ، وكونه رحمة لا يرتفع ، ولابد أن يظهر ما في الباطن على الظاهر ، فلابد من شمول الرحمة لمن هو قبل ظاهر السور ، وأهل الجنة مغموسون في الرحمة ، فإذا أراد أهل الجنة أن يتنعموا