قال لهم : (فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ) فإنه معكم أينما كنتم فيما تتناجون به ، فإنكم إليه تحشرون لذلك قال : (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وإن كان معهم ، فكنى بالحشر إذا فتح الله بإزالة الغطاء عن أعينهم ، فيرون عند ذلك من هو معهم فيما يتناجون به فيما بينهم ، فعبر عنه بالحشر للسؤال عما كانوا فيه ، فليتحفظ العبد في نطقه لعلمه بمن يسمعه ، وأنه مسؤول عن نطقه وأنه يتبع نطقه في عاقبة الأمر ليقرأ كتابه حيث كان ذلك الكتاب.
(إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١)
اعلم أن الرفعة لله سبحانه بالذات وهي للعبد بالعرض ، فإن الخفض للعبد بالأصالة والرفعة للحق فإنه رفيع الدرجات ، قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فللبشر مقامات معلومة ، منها يكون المزيد لهم لا يتعدونها ، وإن زادوا علما فمن ذلك المقام ، فبالمقامات فضل الله كل صنف بعضه على بعض ، وهذا المقام هو الذي يكون فيه الإنسان عند آخر نفس يكون منه ، ويفارق الروح تركيب هيكله المسمى موتا ، فمن ذلك المقام يكون له المزيد ، ولهذا يقع التفاضل بين الناس في الدار الآخرة ، ويزيد الله الذين أوتوا العلم وهم مؤمنون على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم درجات ، فإن العلم في حق المخلوق وإن كان له الشرف التام الذي لا تجهل مكانته ولكن لا يعطي السعادة في القرب الإلهي إلا بالإيمان ، فنور الإيمان في المخلوق أشرف من نور العلم الذي لا إيمان معه ، فإذا كان الإيمان يحصل عنه العلم ، فنور العلم المولد من نور الإيمان أعلى ، وبه يمتاز على المؤمن الذي ليس بعالم ، ويزيد العلم فيرفع الله الذين أوتوا العلم على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم درجات ، يظهر فيها العلماء بالله ليراهم المؤمنون ، ويحتمل أن يراد به العلماء بتوحيد