(٤٠) سورة غافر مكيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(حم (١) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٣)
(غافِرِ الذَّنْبِ) بنسبة اليسير إليه (وَقابِلِ التَّوْبِ) لمن يرجع إليه من المخالفة ، ولو رجع ألف مرة في كل يوم فهو تائب (شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ) لما تجلى الحق في شديد العقاب ، تجلى في الطول الأعم المؤيد بغافر الذنب وقابل التوب ، ولم يجعل للشديد العقاب مؤيدا ، ومن شدته في ذلك أعقب أهل النار حسن المآب (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) هذا هو التوحيد الثامن والعشرون في القرآن وهو توحيد الصيرورة ، وهو من توحيد الهوية ، وهو على الحقيقة مقام الإيمان ، لأن المؤمن من اعتدل في حقه الخوف والرجاء ، واستوت فيهما قدماه ، فلم يحكم فضله في عدله ، ولا عدله في فضله ـ إشارة وتنبيه ـ لم يجعل للشديد العقاب مؤيدا وذلك للدعوى في الشدة ، فوكل إلى ما ادّعاه فهو غير معان ، ومن لم يدع فهو معان ، فلما جاء بالشدة في العقاب ولم يجيء في الطول مثل هذه الصفة ، لهذا شد أزره بغافر الذنب وقابل التوب ، فأشار إلى ذوي الأفهام من عباده بإعانة ذي الطول بغافر الذنب وقابل التوب على الشديد العقاب إلى ترك الدعوى ، فإن الشديد في زعمه أنه لا يقاوم ، ولو علم أن ثمّ ما يقاومه ما ادعى ذلك ، فنبه تعالى عباده على ترك الدعوى فيكون الحق يتولى أمورهم بنفسه ، وعصمهم في حركاتهم وسكناتهم ليقفوا عند ذلك ، ويعلموا أنه الحق.
(مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٥) وَكَذَلِكَ