الكنّ بيت الطبيعة ، فالقلب مشغول بأمه ما عنده خبر بأبيه الذي هو روح الله ، فلا يزال في ظلمة الكنّ وهي حجاب الطبيعة ، فهو في حجابين كنّ وظلمة ، فهو يسمع ولا يفهم ، كما قال الله فيهم (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي لا يفهمون فهنا قال الكفار (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) فكانت قلوبهم في أكنة مما يدعوها الرسول إليه خاصة ، لا أنها في كنّ ، ولكن تعلقت بغير ما تدعى إليه ، فعميت عن إدراك ما دعيت إليه فلا تبصر شيئا (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) فطابق ذلك قول الله : إنهم صم ، فلم يسمعوا ، والوقر هنا هو ثقل الأسباب الدنياوية التي تصرف عن الآخرة (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) إن كان الوقر طخأ ، فهو قساوة قلبه أن يؤثر فيه قبول ، ما يخطر له حديث النفس من النظر والإصغاء إلى هذا الداعي الذي هو الشارع ، قال بعضهم ذلك لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، يعنون بالحجاب هنا الأكنة (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) ـ الوجه الأول ـ أي اعمل في رفع ذلك إننا عاملون في رفع ذلك ، في حق من يحتمل صدقه عندهم ، فإنهم اعترفوا أن قلوبهم في أكنة مما يدعوهم إليه ، فما جحدوا قوله ولا ردوه كما اعتقد غيرهم ممن لم يقل ذلك ، ولا ندري ما آل إليه أمر هؤلاء ، فإنا نعلم قطعا أن الرسول يعمل في رفع الغطاء عن أعينهم بلا شك ، ولذا قال في الآية التالية (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) ولم يقل : وويل لكم ، فهذا يدل بقرينة الحال أنهم عاملون في رفع الحجاب وإخراج قلوبهم من الأكنة ، وإنما كثر الأكنة لاختلاف أسباب توقفهم في قبول ما أتاهم به ، فمنهم من كنّه الحسد ، وآخر الجهل ، وآخر شغل الوقت بما كان عنده أهم حتى يتفرغ منه ، والكل حجاب ـ الوجه الثاني ـ (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) أي هو منّا (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أي هو منّا ، (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) أي هو منّا (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) فقال الله تعالى : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) وهو العمل الذي قالوه وطلبوه ـ إشارة وموعظة ـ اعلم أن القلب مرآة مصقولة ، كلها وجه لا تصدأ أبدا ، فإن أطلق يوما عليها أنها صدئت كما قال عليهالسلام : [إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد ـ الحديث] وفيه أن جلاءها ذكر الله وتلاوة القرآن ، ولكن من كونه الذكر الحكيم ، فليس المراد بهذا الصدأ أنه طخأ طلع على وجه القلب ، ولكنه لما تعلق واشتغل بعلم الأسباب عن العلم بالله ، كان تعلقه بغير الله صدأ على وجه القلب ، لأنه المانع من تجلي الحق إلى هذا القلب ، لأن الحضرة الإلهية متجلية على الدوام ، لا يتصور في حقها