أخذه عن الرسول وورثه ، فكل ما جاءه من عند الله وضعه في ذلك الميزان ، فإن قبله ملكه ، وإن لم يقبله سلمه لله وتركه ، فإن تركه عمل به ، فأخذك من الرسول أنفع لك وأحصل لسعادتك ، فما جاءك على يد الرسول فخذه من غير ميزان ، وما جاءك من يد الله فخذه بميزان. والأخذ بقول الرسول صلىاللهعليهوسلم هو الذي أمرنا الله أن نأخذ به ، وأما أفعال النبي صلىاللهعليهوسلم فليست على الوجوب ، فإن في ذلك غاية الحرج إلا فعلا بين به أمرا تعبدنا به ، فذلك الفعل واجب ، فلا يلزمنا اتباعه في أفعاله إلا إن أمر بذلك ، فمعنى الاتباع أن نفعل ما يقول لنا ، فإن قال : اتبعوني في فعلي ، اتبعناه ، وإن لم يقل فالذي يلزمنا الاتباع فيما يقول.
(لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٩)
الإيثار إعطاء ما أنت محتاج إليه في الوقت أو توهم الحاجة إليه. واعلم أن الله تعالى جبل الإنسان على الشح ، فإنه فطر على الاستفادة لا على الإفادة ، فما تعطي حقيقته أن يتصدق ، فإذا تصدق كانت صدقته برهانا على أنه قد وقي شح نفسه الذي جبله الله عليه ، لذلك ورد في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [والصدقة برهان] وسبب ذلك أن الفقر والحاجة ذاتي لنا ، والمكون عن الطبيعة شحيح بالذات كريم بالعرض ، ومن شح النفس الادخار والشبهة لها إلى وقت الحاجة ، فإذا تعين المحتاج كان العطاء ، وعلى هذا أكثر بعض نفوس الصالحين (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) يعني الناجون ، يقول صلىاللهعليهوسلم في فضل الصدقة وزمانها : [أن تصدق وأنت شحيح تخاف الفقر وتأمل الحياة والغنى] ـ إشارة ـ أين الكرم من الإيثار؟ الكرم سيادة ، والإيثار عبادة ، الكرم مع