إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٨) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (١٩)
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) فإن من نسي حق الله الذي أمره الله بإتيانه فقد نسي الله فإنه ما شرعه له إلا الله ، فترك حق الله (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) وصورة ذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [من عرف نفسه عرف ربه] فمن نسي الله نسي نفسه بالضرورة ، نسي ما لله عليها من الحقوق ، وما لها من الحقوق ؛ فكان في نسياننا لله أن أنسانا الله أنفسنا ، فنهينا عن ذلك ، فهذه وصية إلهية صحيحة ، وقد نهانا الله أن نكون كالذين نسوا الله فنسيهم ، فنهانا أن ننسى الله مثل ما نسوه لنقوم بحق الله ، ونقيم حق الله في الأشياء على نية صالحة وحضور مع الله ، فيجازينا الله جزاء استحقاق استحققناه بأعمالنا التي وفقنا الله لها ، والذين نسوا الله تركوا حق الله (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) فأعاد الضمير عليهم ، أي الخارجون عن الطريق المشروع.
(لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠) لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١)
أترى هذا الخشوع والتصدع من خشية الله عن غير علم بقدر ما أنزل الله عليه؟ وما خاطب من التخويفات التي تذوب لها حمم الجبال الشامخات؟ وقد وصف الحق الجبل بالخشية ، وعين وصفه بالخشية عين وصفه بالعلم بما أنزل عليه ، قال تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) فهذه الآية تشير إلى شرف الجماد على الإنسان ، أترى خشوعه وتصدعه لجهله بما أنزل عليه؟ لا والله إلا بقوة علمه بذلك وقدره ، ألا تراه عزوجل يقول لنا في هذه الآية : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فإنهم إذا تفكروا في ذلك