حضرة الخيال إن أكلت شبعت ، وإن مسكت فيه شيئا من ذهب أو ثياب أو ما كان بقي معك على حاله لا يتغير ، ومن ذلك المقام قال صلىاللهعليهوسلم وقد نهى عن الوصال فقيل له : إنك تواصل ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني] فلم يكن في تلك الجماعة التي خاطبها في ذلك الوقت من له هذا المقام ، ولم يقل لست كهيئة الناس ، فكان إذا أكل شبع وواصل على قوة معتادة ، ولما كان الأكل في حضرة الخيال لا في حضرة الحس صح أن يكون مواصلا ، كذلك تقدمه صلىاللهعليهوسلم لقطف عنقود من العنب ، وتأخره وهو في الصلاة من النار التي مثلت له في عرض الحائط ، وليس ذلك المقام إلا للعبد المحض الخالص (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) بالرحمة العامة والرحمة الخاصة.
(هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢٣)
لما كان وجود العالم مرتبطا بوجود الحق فعلا وصلاحية ، لهذا كان اسم الملك لله تعالى أزلا ـ وإن كان عين العالم معدوما في العين ـ لكن معقوليته موجودة باسم المالك ، فهو مملوك لله تعالى وجودا وتقديرا قوة وفعلا ، وقال تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ) بنسبة ملك السموات والأرض إليه فإنه رب كل شيء ومليكه ، والاسم الملك هو المهيمن على الأجناد الأسمائية ، فإن أسماءه سبحانه وتعالى عساكره ، وهي التي يسلطها على من يشاء ويرحم بها من يشاء (الْقُدُّوسُ) بقوله : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وتنزيهه عن كل ما وصف به ، فتقدست الألوهة أي تنزهت أن تدرك وفي منزلتها أن تشرك ، والقدوس من القدس وهي الطهارة الذاتية ، كتقديس الحضرة الإلهية التي أعطيها الاسم القدوس ، فهو اسم إلهي منه سرت الطهارة في الطهارات كلها ، وهو قدوس مطهر من الأسماء النواقص ، وهي التي لا تتم إلا بصلة وعائد ، فإن من أسمائه سبحانه الذي وما ، فهو القدوس أي المطهر عن نسبة الأسماء النواقص إليه ، وهو قدوس عن تغيره في نفسه بتغير الأحكام ـ إشارة ـ اعلم أن الاسم القدوس يصحب الموجودات وبه ثبت قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) فلا ينبغي أن يحال بين العبد وسيده ، ولا يدخل بين العبد وسيده إلا بخير ، ولا شك أن النجاسة أمر عرضي عيّنه حكم شرعي ، والطهارة أمر ذاتي ، فلا أصل للنجاسة في الأعيان ،