إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ) (١)
قال تعالى يخاطب المؤمنين (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) فجعلهم أعداء له كما قال في جزائه إياهم (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) فإن كان لله أعداء ، فكيف بأجناس العالم؟ فهم عبيده أعداؤه ؛ فكيف حال عبيده بعضهم مع بعض بما فيهم من التنافس والتحاسد؟ (وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) لكونهم أمثالا لكم؟ ولما بين المثلين من الضدية قال للمؤمن : عامل العدو بضدية المثل لا بمودة المثل ، فإن العدو يريد إخراجك من الوجود ، فقال تعالى (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) فما عاملكم العدو وإن كان مثلكم إلا بضدية المثل لا بمودته ، فأمرنا الحق إذا أرادوا ذلك بنا أن نقاتلهم ، فنذهب أعيانهم من الموضع الذي يكونون فيه ، وإن لم تسر هذه الضدية في ذات المثل فليس بمؤمن ، ولا هو عند الله بمكان ، فإن الله لما علم ما هو عليه الإنسان في جبلته من حبه المحسن لإحسانه ، ومن استجلابه الود من أشكاله بالتودد إليهم ، علم أنه تعالى إذا قال لهم (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) أنهم لما ذكرناه لا يقومون في هذا النهي في جانب الحق مقام ما يستحقه الحق ، فزاد في الخطاب فقال (وَعَدُوَّكُمْ) وذلك ليبغضهم إلينا ، لعلمه بأنا نحب أنفسنا ونؤثر هوانا عليه تعالى ، فليس في القرآن ذم في حقنا من الله أعظم من هذا ، فإنه لو علم منا إيثاره على أهوائنا لاكتفى بقوله (عَدُوِّي) ثم تمم على نسق واحد فقال (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) يعني من موطنه ، فإن مفارقة الأوطان من أشق ما يجري على الإنسان ، فلما علم الله أنكم لا يقوم عندكم إخراج الرسول ـ مع بقائكم في أوطانكم ذلك المقام ـ ما يستحقه الرسول منكم قال (وَإِيَّاكُمْ) فشرككم في الإخراج مع الرسول ، كما شرككم في العداوة مع الله ، لتكونوا أحرص على أن لا تلقوا إليهم بالمودة ، وأن نتخذهم أعداء ، والمؤمنون هنا كل ما سوى الرسول ، فإن الرسول إذا تبين له أن شخصا ما عدو لله تبرأ منه ، كما تبرأ إبراهيم عليهالسلام من أبيه ، ومن لم يطلعك الله على عداوته فلا تتخذه عدوا ، وأقل أحوالك إذا جهلته أن تهمل أمره ، فلا تعاد عباد الله بالإمكان ، والذي ينبغي لك أن تكره فعله