بلوغ الغاية التي في نفسه طلبها ، فلم تف الجوارح بذلك ، ولا ما عندنا من الأسماء الإلهية ، فإنه ما يثنى عليه عزوجل إلا بأسمائه الحسنى ، ولا يعلم منها إلا ما أظهر ، ولا يثنى عليه إلا بالكلام بتلك الأسماء وهو الذكر ، ولا يكون إلا منه ، لا بالوضع منا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) (٢)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) التأيه على نوعين ، تأيّه بالصفة مثل قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) و (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وتأيّه بالذات ، مثل قوله (يا أَيُّهَا النَّاسُ) وقد يؤيه بأمر ، وقد يؤيه بنهي ، والتأيه في هذه الآية تأيه إنكار ـ الوجه الأول ـ (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) وله وجه للأمر ووجه للنهي ، كأنه تعالى يقول في الأمر فيه (افعلوا ما تقولون) ؛ وفي النهي (لا تقولوا على الله ما لا تفعلون) فإنكم تمقتون نفوسكم عند الله في ذلك أكبر المقت. ـ الوجه الثاني ـ قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ولم يقل الحق : يا أولي الألباب ، ولا يا أولي العلم ، لأن درجات العقلاء تتفاوت (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) فإن العالم العاقل لا يقول ما لا يفعل إلا بالاستثناء ، لأنه يعلم أن الفعل لله لا له ، فكأن الحق يقول للمعتزلي الذي يقول بإضافة الفعل إلى نفسه في اعتقاده (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ) إن الفعل لكم وما هو كذلك ، فأضفتم إليكم (ما لا تَفْعَلُونَ) ، وكبر مقتا منكم عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
(كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (٣)
وهذه حالة من أمر بالبر غيره ونسي نفسه ، والناس يأخذون في هذه الآية غير مأخذها ، فيقولون إن الله مقتهم ، وما يتحققون قوله تعالى (عِنْدَ اللهِ) أي تمقتون أنفسكم أكبر المقت عند الله إذا رجعتم إليه ، فتعلق المقت بمن قال خيرا يمكن له فعله فلا يفعله ، وذلك القول الخير لابد أن يجني ثمرته القائل به ، ولا سيما إن أعطى عملا في عامل من عباد الله إلا أنه محروم ، فما يكبر عند الله إلا لكون هذا القائل قال هذا القول ولم يفعل ما قاله إذا اطلع على ما حرم من الخير بترك الفعل ، فمقت نفسه أعظم المقت ، ولا سيما إذا رأى غيره قد انتفع به عملا ، فهو أكبر مقت عنده يمقت به نفسه عند الله في شهوده في الآخرة ، فهو